غزة تحت وطأة القتل والحصار: معاناة متزايدة وجرح أعمق
الأحد - 06 أبريل 2025 - 11:04 ص
أحداث العالم المركز الفلسطيني للاعلام
في مرحلة سابقة من الحرب الضروس على قطاع غزة، ركّزت قوات الاحتلال بشكل ممنهج على سياسة التجويع في شمال القطاع، في محاولة لدفع السكان نحو النزوح جنوباً، تمهيداً لتهجيرهم خارج القطاع، خاصة نحو مصر، ضمن مخطط تهجيري واضح المعالم. وفي المقابل، ورغم أن الأوضاع في جنوب القطاع لم تكن أفضل بكثير، إلا أنها بدت أقل سوءاً نسبياً، حيث كانت تصل بعض المساعدات الإنسانية بشكل متقطع وبكميات محدودة، لا تفي بالحد الأدنى من احتياجات السكان.
أما اليوم فيستطيع كل مراقب أن يقول وبكل ثقة أن واقع قطاع غزة بأكمله اليوم أشد سوءا من أسوء فترات التجويع والحصار التي تعرض لها شمال قطاع غزة قبل إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في السابع عشر من يناير المنصرم والذي دخل حيز التنفيذ في التاسع عشر من ذات الشهر، قبل أن ينقلب الاحتلال عليه بعمليات اغتيال غادرة وقصف همجي، وبإغلاق المعابر بشكل كامل منذ الثامن عشر من شهر مارس المنصرم.
فالقطاع اليوم ومنذ 35 يوماً محاصر بشكل غير مسبوق، ولم يدخله شربة ماء ولا كسرة خبز، ولا حبة دواء، وفوق ذلك يتعرض منذ 20 يوما لعدوان صهيوني همجي بربري، يستهدف الآمنين في خيمهم وبيوتهم المتهالكة ومراكز إيوائهم المكتظة، وحتى المستشفيات التي يتلقون فيها العلاج غير الموجود.
الحصاد المر لاستئناف العدوان
ومنذ استئناف العدوان الصهيوني على قطاع غزة في الثامن عشر من شهر مارس المنصرم، قتل الاحتلال الصهيوني 1309 فلسطينياً فيما أصيب 3184 آخرين، لترتفع حصيلة الحرب الصهيونية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر إلى 50669 شهيداً و115225 جريحاً.
وفوق القتل قتل من نوع آخر، فقد عادت الأسواق في قطاع غزة إلى حالتها السابقة ما قبل وقف إطلاق النار، فارغة، لا تتوفر فيها الأشياء الأساسية، والقليل المعروض أسعاره مرتفعة للغاية، في واقع اقتصادي صعب، ونقص في السيولة النقدية، وتوقف للرواتب وتعطل للأعمال وانتشار كبير للبطالة وقلة العمل.
وتوقفت المخابز عن العمل، حيث أعلن برنامج الغذاء العالمي، يوم الثلاثاء المنصرم، عن توقف جميع المخابز المدعومة منه؛ لنفاد كميات الدقيق والوقود اللازم لتشغيلها، جراء مواصلة الاحتلال إحكام حصاره على القطاع منذ الثاني من مارس المنصرم.
معاناة متجددة وأكثر قسوة
المواطنة “أم أحمد” تقول حتى في أيام الحرب السابقة قبل الهدنة كنا نجد الخبز هنا في جنوب قطاع غزة، فقد عملت المخابز جزئيا، أما اليوم فكل المخابز مقفلة، ولا يتوفر لدي ولدى كثير من الناس الدقيق اللازم لصناعته.
وتؤكد أن العائلات اليوم في واقع أصعب من واقع الفترة الأولى من الحرب، فقد بات الجميع، كما ترى، غير قادر على توفير ما يلزم عائلته من طعام وشراب، في ظل هذا الحصار الكامل وغير المسبوق.
“أم أحمد” تقضي جل وقتها في محاولة البحث عن أي مكان يمكنها أن تشتري منه أي نوع من أنواع الخبز من أجل أن تطعم زوجها المريض وأطفالها الخمسة، لكنها، وفق ما قالت، تعود بخفي حنين في كثير من الأحيان، حيث لا تجد الخبز فتضطر لاستخدام بدائل أخرى لا تسد جوع أطفالها مثل المعكرونة، أو حساء العدس، إن توفر.
“أبو علي” وهو صاحب بقالة صغيرة في إحدى حارات دير البلح وسط قطاع غزة، فيتحدث بحسرة شديدة عن واقع الناس، ويؤكد أنه بحكم عمله في بقالته التي أصبحت اليوم فارغة تماماً، يعلم حال الناس بشكل أفضل من غيره.
ويوضح “أبو علي” أن كثيراً من الناس وخاصة ممن لا دخل لهم، ومن لم يستطيعوا ادخار شيء من المواد الغذائية خلال الفترة الماضية، يعانون معاناة مضاعفة، ولا يجدون قوت يومهم، ويعيشون مأساة حقيقية لا يمكن شرحها.
ويبين أن هؤلاء يعتمدون بشكل كامل على “التكيات” التي تصنع الطعام المجاني، والتي في غالب الأحيان لا تصنع سوى أطعمة بسيطة، لا تسد جوع الجائعين، إلا أنها، وفق وصفه، “كنز” بالنسبة لهؤلاء المساكين الذين باتوا دون عمل أو دخل يومي أو حتى قدرة على تدبر أمورهم وقوت أولادهم.
وإن توفر الطحين أو بعض الطعام عند الناس هنا في قطاع غزة، فإنهم لا يجدون الغاز الذي يطهون عليه الطعام بشكل آدمي، وحتى الحطب الذي يستخدم للطهي أصبح عملة نادرة، فالناس استهلكوا كثيراً منه خلال فترة الحرب الممتدة والطويلة، وأصبح الحصول عليه أمرا صعباً، أو بحاجة لمبالغ مرتفعة من المال نظرا لقلته وشدة الطلب عليه.
وفي أحيان أخرى أصبح الحصول عليه، سبباً من أسباب الاستشهاد، فقد قتلت قوات الاحتلال عدداً لا بأس به من المواطنين أثناء جمعهم الحطب، من مناطق قريبة من مواقع تمركز القوات الصهيونية، التي لم تتورع عن استهدافهم رغم علمها ويقينها أنهم جاؤوا لجمع الحطب ولا يشكلون أي خطر عليها.
كل هذا ليس سوى سيناريو يتكرر مرة تلو أخرى، فغزة تجوع مرة تلو الأخرى، وفي كل مرة تصل حافة الموت ثم تعود من تحت الركام تصر على الحياة رغم الوجع والألم والجراح والخذلان، لكنها هذه المرة تقتل بصمت دون أن يرف جفن للعالم الظالم، لكنها وفق أهلها، لن تموت وستبقى مثالا حيا ونموذجا مشرفا لشعب أراد الحياة فوافقه القدر فانتصر، وما ذلك على الله بعزيز