"من طوق نجاة إلى طوق مشنقة" البطالة سلاح القطاع الخاص في اليمن لإستغلال الموظفين
الأحد - 16 فبراير 2025 - 04:24 م
أحدث العالم ــ محمد مقبل
في بلد يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية متواصلة، تحولت البطالة في اليمن من تحد إلى سلاح يستخدمه أرباب العمل في القطاع الخاص لإستغلال الموظفين ، فمنذ بداية الحرب التي أفقدت المواطنين مصادر دخلهم ، فقد بات 80% من السكان يعاني من الفقر ويعتمدون على المساعدات الإنسانية ، ومع تخطي نسبة البطالة حاجز الـ60% وفقا للأمم المتحدة ، فقد باتت فرص العمل نادرة وتباع بأثمان باهظة ليس فقط بالمال بل بكرامة الإنسان وحقوقه ، فهذه الأوضاع دفعت العديد من اليمنيين إلى قبول وظائف بأجور زهيدة وفي ظروف قاسية كل ذلك في سبيل النجاة من شبح البطالة لكن الحقيقة المرة كانت بانتظارهم.
طوق نجاة يتحول إلى طوق مشنقة
عندما تلقى أحمد، الشاب الثلاثيني، اتصالا من أحد الفنادق في العاصمة صنعاء بعرض عمل لم يصدق أذنيه فبعد شهور من البحث المضني عن وظيفة رأى في هذه الفرصة طوق نجاة ينتشله هو وأسرته من براثن الفقر.
يقول أحمد في حديثه لـ"موقع أحداث العالم": "كنت أشعر بأنني حصلت على تذكرة لحياة جديدة لكن سرعان ما تلاشت أحلامي تحت ضغط العمل المرهق والظروف القاسية فقد أصبحت الوظيفة التي حلمت بها أشبه بطوق مشنقة يلتف حول رقبتي كل يوم ساعات العمل لا تنتهي ولا يوجد أي احترام لحقوقنا ، وإذا تحدثت أو اشتكيت يمكن أن أفقد الوظيفة في أي لحظة."
استغلال ممنهج لحاجة الناس
في ظل الفقر والبطالة أصبح العامل اليمني في القطاع الخاص رهينة لظروف عمل لا إنسانية ، يجبرهم أرباب العمل على العمل لساعات طويلة دون تعويض وأحيانا يطلب منهم العمل في أيام العطل الرسمية دون أجر إضافي ، حمزه هو الآخر يقول لـ"موقع أحداث العالم" وهو عامل في أحد المصانع: "كل يوم أذهب إلى العمل وأنا أخشى مما سيحدث فقد يمكن أن يطلبوا منا العمل لمدة 14 ساعة في اليوم لأن عملنا عادة لمدة 12 ساعة يوميا وإذا رفضت سيكون مصيري الطرد فنحن محاصرون ولا خيار أمامنا سوى الاستمرار."
الرقابة الغائبة والتهاون في الحقوق
يرى مختصون أن ضعف الرقابة الحكومية وانعدام التفتيش على ظروف العمل في القطاع الخاص ساهم في تفشي هذه الظاهرة ، حيث يترك العمال لمصيرهم في بيئات عمل تستغل حاجتهم الماسة لكسب لقمة العيش ، يوضح المحامي والباحث القانوني "غمدان الخيل" ، لـ"موقع أحداث العالم" بأن القوانين التي تحمي حقوق العمال موجودة على الورق لكن تطبيقها شبه معدوم ، وأصبح الأمر يشبه الغابة حيث الأقوى يفرض سيطرته دون خوف من القانون."
موقف مكتب العمل من هذه الظاهرة
في حديثه لـ"موقع أحداث العالم" قال مدير مكتب العمل في صنعاء "ناصر الكاهلي": "أن غياب الشكاوي الرسمية لدى مكتب العمل من قبل العمال يصعب من مهمة المكتب في التدخل فالكثير من العمال يخشون تقديم الشكاوى خوفا من فقدان وظائفهم، وهذا يساهم في إستمرار الظلم وتعزيز الرقابة يحتاج إلى جهود مشتركة من الحكومة والمؤسسات العمالية".
وأضاف الكاهلي "يتطلب الوضع الحالي إجراءات عاجلة من الحكومة وجهود مشتركة مع المؤسسات العمالية لتفعيل دور التفتيش العمالي وتطوير آليات للإبلاغ عن الانتهاكات بسرية وأمان وتعزيز الرقابة والوعي بين العمال حول حقوقهم القانونية لتوفير بيئة عمل أكثر عدالة وأمانا ، وبدون هذه الخطوات سيظل القطاع الخاص مرتعا للانتهاكات التي يدفع ثمنها العمال يوميا".
أبعاد نفسية وإجتماعية للإستغلال
لا يقتصر أثر هذا الاستغلال على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد ليطال نفسية العاملين وعائلاتهم ، "أم محمد" زوجة أحد العاملين في القطاع الخاص في حديثها لـ"موقع أحداث العالم" تقول : "زوجي يعمل طوال اليوم ولا يكاد يرى أطفالنا ونحن نعيش في حالة توتر دائم."
وتضيف: "نحن نعيش على حافة الانهيار حتى في أيام العطل، لا يمكننا الاستمتاع كعائلة لأننا نعلم أن زوجي قد يُستدعى للعمل في أي لحظة دون تعويض وأغلب العطل يذهب إلى العمل وبدون أجر إضافي."
دعوة للتدخل العاجل
في حديثه لـ"موقع أحداث العالم" قال المحامي والباحث القانوني غمدان الخيل : "مع استمرار تدهور الأوضاع يجب أن يتزايد الضغط على الحكومة لإتخاذ خطوات حاسمة لحماية العمال اليمنيين في القطاع الخاص ، كما يجب تعزيز الرقابة على أماكن العمل وضمان تطبيق القوانين التي تحمي حقوق هؤلاء العمال، وكذلك توفير منصات فعالة للعمال لتقديم شكاويهم دون الخوف من العواقب فلا يمكن الإستمرار في تجاهل هذه الأزمة الإنسانية، وإن عدم التعامل معها بجدية سيؤدي إلى نتائج كارثية ليس فقط على مستوى العمال بل على استقرار المجتمع بأكمله."
إن ما يواجهه العمال في القطاع الخاص باليمن ليس مجرد إستغلال إقتصادي ، بل هو أزمة أخلاقية وإنسانية تتطلب تدخلا عاجلا ، فالبطالة التي كان يفترض أن تدفع الناس للبحث عن فرص العمل باتت اليوم سلاحا يستخدم ضدهم ليصبحوا أسرى في سجون العمل الشاق والظروف القاسية وإن هذه المأساة يجب أن تتصدر أولويات المجتمع حتى لا يصبح العمل ذاته عبئا وجحيما لا يحتمل على العاملين في القطاع الخاص.