يُعَدُّ الصراع في اليمن من أكثر الصراعات تعقيدًا في المنطقة، وذلك بسبب تداخل العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر في مجرياته. فقد تفاقمت الأزمة نتيجة للتدخلات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية بين الأطراف السياسية والعسكرية. ومع استمرار الحرب لأكثر من عقد من الزمان، أصبح من الصعب إيجاد حلول سياسية توافقية، خاصة في ظل الوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه الشعب اليمني. ورغم الجهود المستمرة من المجتمع الدولي، بما في ذلك محاولات الوساطة والتفاوض، فإن التسوية السياسية ما زالت تواجه تحديات وعقبات كبيرة.
في هذا المقال، سنتناول أبرز المعوقات التي تعرقل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ومستدامة في اليمن، وذلك على النحو التالي:
1- تعقيدات الصراع:
يُعَدّ تعقيد الصراع في اليمن أحد أبرز المعوقات التي تواجه عملية التسوية السياسية في البلاد. فالصراع في اليمن ليس صراعًا بسيطًا أو بين طرفين محددين، بل هو صراع معقد ومتعدد الأبعاد، إذ يشمل العديد من الأطراف والقوى السياسية والعسكرية التي تتداخل مصالحها وتتناقض في بعض الأحيان. وهذه التعقيدات تزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام.
من الأمور المهمة التي تعقد الصراع في اليمن هي تداخل القضايا المحلية مع التدخلات الإقليمية والدولية. فالأطراف الإقليمية مثل إيران وكذلك الأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة وروسيا، لها تأثيرات كبيرة على مسار الصراع. التدخلات العسكرية والسياسية لهذه القوى تزيد من تعقيد النزاع اليمني، حيث تصبح الحلول المحلية مرتبطة بتوازنات القوى الإقليمية والدولية، مما يعقّد أي محاولات للوصول إلى تسوية. وفي هذا الصدد، تشير دراسة إلى أن "هذا التداخل بين الصراع المحلي والإقليمي يجعل نجاح جهود السلام رهناً بوجه الأمور في قضايا خارجية" (الأحصب، 2021، 119).
وفي هذا السياق، فإن حل الصراع اليمني المحلي قد يعتمد إلى حد كبير على ما تؤول إليه القضايا الإقليمية والدولية، مما يزيد من تعقيد أي محاولات لتحقيق السلام على الصعيدين المحلي والإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك، يرى العديد من المحللين أن التوازنات الإقليمية والدولية تؤثر بشكل كبير في مسار الحل السياسي في اليمن، حيث تتداخل المصالح الخارجية مع التطورات المحلية، مما يخلق بيئة معقدة لا يسهل اختراقها.
تساهم القضايا الاقتصادية والإنسانية بشكل كبير في تعقيد الصراع. فالبلاد تعاني من تدهور شديد في الوضع الاقتصادي، فضلاً عن تفشي الأزمات الإنسانية نتيجة النزاع المستمر. فقد أُلحقت الأضرار بالبنية التحتية، وتسببت الحرب في نزوح الملايين من السكان، بينما ارتفعت معدلات الفقر والمجاعة بشكل غير مسبوق. مثل هذه الظروف تجعل الأطراف المتنازعة أكثر تشدداً في مواقفها، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية أو الحصول على مزيد من الدعم الخارجي، مما يؤدي إلى تعثر أي محاولات للوصول إلى تسوية.
علاوة على ذلك، يُصرُّ بعض الأطراف على مقاومة فرص السلام، وهي "مقاومة مؤسسة على مخاوف هذه الأطراف من استحقاقات السلام، فأي تسوية سياسية قد تهدد بخسارة مصالح كثيرة يرتبط جزء مهم منها باقتصاد الحرب" (الأحصب، 2021، 117).
في المجمل، يمكن القول إن تعقيد الصراع في اليمن يشكل عائقًا رئيسيًا أمام أي تسوية سياسية محتملة. فكل طرف في النزاع لديه مصالحه الخاصة ورؤيته لمستقبل اليمن، كما أن التداخلات الإقليمية والدولية تزيد من تعقيد الوضع. ولذلك، يحتاج حل هذا الصراع إلى جهود متعددة الأبعاد تشمل الحلول السياسية والعسكرية والاقتصادية، مع ضرورة وجود إرادة حقيقية من جميع الأطراف لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن.
2 - التعقيدات العسكرية:
تظل الحالة العسكرية في اليمن مصدرًا رئيسيًا لعدم الاستقرار، إذ يتميز الصراع العسكري بتوزع السيطرة بين عدة جماعات مسلحة. فالميليشيات الحوثية تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال اليمن، بينما تسيطر القوات الحكومية على أجزاء أخرى من البلاد بدعم من التحالف العربي. هذا الانقسام العسكري يعوق التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار أو نزع سلاح الجماعات المسلحة، وبالتالي، يجعل عملية التسوية السياسية تتأثر بشكل كبير بالواقع العسكري الذي لا يراعي الاتفاقات السياسية.
يُسهم هذا التعدد العسكري في تعقيد الوصول إلى حل سياسي، إذ أن كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه العسكرية والسياسية، مما يؤدي إلى زيادة التوترات وعدم الثقة بين الأطراف المتنازعة. علاوة على ذلك، لا تقتصر هذه التعقيدات على المواجهات المسلحة المباشرة، بل تشمل أيضًا تأثير التدخلات الإقليمية والدولية، التي تعقد من فرص التوصل إلى اتفاق شامل يرضي جميع الأطراف.
وفي هذا السياق، "تقف قضية السلاح غير الرسمي في مقدمة القضايا التي تعيق جهود السلام، وتعرقل التوصل إلى اتفاق للتسوية السياسية، فقبول الجماعات المسلحة التخلي عن أسلحتها أمر غير وارد" (الأحصب، 2021، 118).
إضافة إلى ذلك، فإن تزايد التسلح وانتشار الأسلحة يرفع من درجة العنف ويزيد من صعوبة تحقيق الأمن والاستقرار، مما يعوق أي جهود سياسية تهدف إلى تسوية النزاع بشكل سلمي.
3 - المقايضة بملفات التسوية:
تعتمد بعض الأطراف السياسية في اليمن على المقايضة بين الملفات لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية. على سبيل المثال، قد يتم استخدام قضايا إنسانية مثل رفع الحصار أو إطلاق الأسرى كورقة ضغط من أجل تحقيق أهداف أخرى، مما يؤدي إلى تعقيد المسار التفاوضي. وتتفاقم هذه الممارسات عندما يتم التلاعب بمصير المواطنين اليمنيين، حيث تترك المقايضات أثرًا سلبيًا على التوصل إلى تسوية حقيقية وشاملة.
تتمثل إحدى أبرز المشاكل الناتجة عن المقايضة في أن الأطراف المختلفة قد تستخدم بعض الملفات كوسيلة ضغط لتحقيق مصالحها الخاصة، مما يعيق التوصل إلى حلول جذرية. على سبيل المثال، قد يُطالب طرف ما بترتيب معين لوقف إطلاق النار مقابل تسوية تتعلق بالمصالحة الوطنية، أو قد يشترط طرف آخر إجراء تغييرات في التركيبة السياسية للحكومة مقابل ضمانات أمنية. هذا النوع من المقايضة يخلق عوائق إضافية لأنه يربط مسائل ذات أهمية كبرى ببعضها البعض، مما يؤدي إلى تفاقم الخلافات وعدم الوصول إلى حلول مرضية لجميع الأطراف.
من أبرز الأمثلة على المقايضة في السياق اليمني هو تحويل بعض الملفات الإنسانية أو الاقتصادية إلى أوراق ضغط سياسية. على سبيل المثال، يتم استخدام قضايا مثل الرواتب، والمساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، كورقة تفاوضية بين الأطراف المتنازعة. وتُعيق هذه المقايضة في القضايا الإنسانية التوصل إلى اتفاقات جادة بشأن الحل السياسي، حيث تصبح القضايا الإنسانية مجرد أداة لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية.
من جهة أخرى، قد تؤدي المقايضة إلى تهميش قضايا قد تكون أساسية لبعض الأطراف في حال كانت أقل أهمية بالنسبة للأطراف الأخرى. على سبيل المثال، قد يتم تأجيل معالجة القضايا الإنسانية أو الاقتصادية العاجلة لصالح التوصل إلى اتفاقات تتعلق بالقضايا العسكرية أو السياسية، مما يعرقل جهود إحلال السلام بشكل شامل. هذه الديناميكية تجعل عملية التسوية أكثر تعقيدًا وتطيل أمد الصراع.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم المقايضة بين الملفات في زيادة الشكوك حول نوايا الأطراف المختلفة، إذ قد يشعر البعض بعدم الثقة في قدرة الآخرين على الوفاء بتعهداتهم في إطار تسوية متكاملة، مما يعزز حالة التوتر ويؤجل التوصل إلى حلول مستدامة.
وفي هذا الإطار، يعقد التدخل الدولي والإقليمي فرص التسوية، حيث تسعى الأطراف الخارجية إلى تحقيق مصالحها الخاصة، مما يزيد من التنافس ويؤدي إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق متوازن. في النهاية، تظل المقايضة بملفات التسوية من العوامل التي تساهم في إطالة أمد النزاع وتقليل فرص الوصول إلى تسوية سياسية عادلة وشاملة.
إن تجاوز هذه المعوقات يتطلب معالجة شاملة لكل الملفات بشكل مستقل، بعيدًا عن المقايضة السياسية التي قد تضر بمصلحة الشعب اليمني وتعيق جهود السلام.
4 - غياب المشروع الوطني الجامع:
من أبرز المعوقات التي تواجه التسوية السياسية في اليمن هو غياب المشروع الوطني الجامع الذي يعبر عن تطلعات جميع اليمنيين. إذ تعاني الأطراف السياسية من تباين شديد في الرؤى والاتجاهات، مما يؤدي إلى عدم القدرة على التوصل إلى رؤية موحدة بشأن مستقبل البلاد. يتفاقم هذا الوضع في ظل غياب أطر مؤسسية قادرة على إيجاد قواسم مشتركة بين مختلف المكونات السياسية، ما يضعف قدرة البلاد على الانتقال من مرحلة الصراع إلى مرحلة السلام.
إن غياب المشروع الوطني يعكس الانقسامات العميقة بين القوى السياسية المختلفة، حيث لا يوجد اتفاق حقيقي على المبادئ الأساسية التي يجب أن تقوم عليها الدولة اليمنية المستقبلية. وتزداد المشكلة تعقيدًا مع تصاعد التدخلات الإقليمية والدولية التي تفرض أجنداتها الخاصة على الساحة اليمنية، ما يعمق الفجوة بين الأطراف المحلية ويزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية شاملة.
"وفي الوضع الحالي لا يزال وجود مشروع وطني جامع للقوى السياسية غائبًا، حتى لو تم الاتفاق على إطار سياسي برعاية أممية وإقليمية، فإن فرص تنفيذه على أرض الواقع ستظل غير ممكنة، على الأقل في المدى المتوسط" (جهاد، 2024).
علاوة على ذلك، أدى غياب المشروع الوطني الجامع إلى تعطيل الجهود المبذولة لإعادة بناء مؤسسات الدولة، حيث تفتقر هذه المؤسسات إلى رؤية موحدة تسهم في تعزيز السيادة الوطنية وبناء دولة ديمقراطية تؤمن بحقوق جميع مواطنيها. وبذلك، تظل عملية التسوية السياسية عالقة في حلقة مفرغة، حيث لا تتمكن الأطراف المتنازعة من التوصل إلى اتفاق نهائي يضمن حقوق الجميع ويحقق الاستقرار المستدام.
وبناء على ما تقدم ، يتضح أن نجاح التسوية السياسية في اليمن يتطلب بالدرجة الأولى تبني مشروع وطني شامل يعكس تطلعات كافة أطياف المجتمع اليمني ويستند إلى مبادئ العدالة والمساواة، ويعزز من بناء دولة اتحادية قوية ومتنوعة تحترم حقوق الإنسان وتحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
5 - العمليات العسكرية في البحر الأحمر:
تعد العمليات العسكرية في البحر الأحمر من العوامل الرئيسية التي تعرقل التسوية السياسية في اليمن. فهذه المنطقة تُعد نقطة استراتيجية حيوية على مستوى الإقليم والعالم، حيث تتقاطع فيها مصالح العديد من الأطراف الإقليمية والدولية. تشمل العمليات العسكرية في هذه المنطقة النزاعات البحرية بين القوات اليمنية المدعومة من التحالف العربي والمليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ما يزيد من تعقيد الأوضاع العسكرية والإنسانية.
تؤثر هذه العمليات بشكل مباشر على الأمن الملاحي في البحر الأحمر، مما يعوق حركة التجارة العالمية ويزيد من حدة الصراع العسكري. كما أن السيطرة على بعض الموانئ الحيوية في المنطقة، مثل ميناء الحديدة، أصبحت نقطة صراع رئيسية بين الأطراف المتنازعة، حيث يسعى كل طرف إلى تأمين هذا الممر الحيوي لصالحه. هذه العمليات العسكرية تُساهم في تعميق الانقسامات السياسية، حيث تستخدم بعض الأطراف التهديدات العسكرية لفرض شروط سياسية في مفاوضات التسوية.
من أبرز التحديات التي تطرأ نتيجة العمليات العسكرية البحرية تصاعد الهجمات على السفن التجارية والملاحة الدولية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على حركة التجارة الدولية والأمن البحري. كما أن تزايد العمليات العسكرية في هذه المنطقة يعقد من قدرة الأطراف المختلفة على الاتفاق على تهدئة أو التوصل إلى حلول سلمية، حيث يعكس ذلك استمرار النزاع العسكري ويزيد من حالة التوتر بين الأطراف المتنازعة.
وفي هذا السياق، تشير "التطورات الأخيرة في البحر الأحمر إلى مهاجمة واعتراض السفن التجارية، مما دفع بعض القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى شن ضربات صاروخية وجوية ضد أهداف متعددة للحوثيين. وقد حذر المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن من أن التصعيد في البحر الأحمر وباب المندب لن يكون في صالح تحقيق السلام في اليمن" (العنابي، 2024).
علاوة على ذلك، فإن استمرار العمليات العسكرية في البحر الأحمر يعطل تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى المناطق المتضررة من الحرب، ما يزيد من معاناة المدنيين ويطيل أمد الأزمة الإنسانية. هذا الوضع يعقد جهود المجتمع الدولي في التوصل إلى حل سلمي شامل، حيث يصبح تحقيق الاستقرار في البحر الأحمر شرطًا أساسيًا للتسوية السياسية في اليمن.
في هذا السياق، يظهر أن إنهاء العمليات العسكرية في البحر الأحمر يتطلب توافقًا بين الأطراف المتنازعة على ضمان حرية الملاحة البحرية وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، وهو ما يعد جزءًا أساسيًا من أي اتفاق تسوية سياسي شامل.
إن استمرار العمليات العسكرية في البحر الأحمر يزيد من تعقيد عملية التسوية السياسية في اليمن، ويضعف الثقة بين الأطراف المتنازعة، مما يعطل التوصل إلى حلول دائمة تهدف إلى إنهاء الصراع بشكل شامل ومستدام.
6 - تعقيدات الانتقال السياسي:
من أهم المعوقات التي تؤثر في عملية التسوية السياسية في اليمن صعوبة الانتقال السياسي من مرحلة الصراع إلى مرحلة بناء الدولة المدنية المستقرة. إذ تواجه الأطراف السياسية تحديات كبيرة في تحديد شكل النظام السياسي المستقبلي، سواء كان نظامًا فيدراليًا أو مركزيًا. كما أن غياب التوافق حول توزيع السلطة والثروة يزيد من تعقيد مسألة الانتقال السياسي، ويجعل أي اتفاق سياسي هشًا وغير مستدام.
ومن أهم العوامل التي تعرقل هذا الانتقال:
1 - غياب التوافق الوطني:
يشكل غياب التوافق السياسي بين الأطراف اليمنية أحد أكبر العوامل المعرقلة. فالأطراف المتنازعة، سواء كانت الحكومة الشرعية أو جماعة الحوثيين أو القوى الجنوبية أو غيرها من الفصائل، تختلف بشكل كبير في رؤيتها لمستقبل اليمن وترتيبات الحكم. هذا التباين يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق شامل يمكن أن ينهي الحرب ويؤدي إلى انتقال سياسي هادئ. فكل طرف يسعى إلى فرض رؤيته الخاصة بالقوة أو من خلال الانتصار العسكري، مما يزيد من تعقيد أي عملية تفاوضية.
2 - تعدد القوى الفاعلة:
تتميز الساحة السياسية اليمنية بتعدد القوى السياسية والجماعات المسلحة التي تتنافس على السلطة والنفوذ. يشمل ذلك الحكومة المعترف بها دوليًا، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والمليشيات الحوثية، فضلًا عن أطراف أخرى ذات مصالح إقليمية ودولية. هذه التعددية تُعقد عملية التفاوض والاتفاق على خطوات مشتركة نحو الانتقال السياسي، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالحه الخاصة على حساب الأطراف الأخرى.
3 - الاختلافات الأيديولوجية:
توجد اختلافات أيديولوجية كبيرة بين الأطراف المتنازعة في اليمن، خاصة بين الحكومة الشرعية التي تمثل تيارًا سياسيًا معتدلًا، والمليشيات الحوثية التي تتبنى رؤية دينية وطائفية متشددة. هذه الاختلافات تعيق بناء توافقات سياسية شاملة، حيث يصعب الوصول إلى حلول وسطى تلبي تطلعات جميع الأطراف.
علاوة على ذلك ،"تجاهل الحوثيون للمرجعيات المعلنة لعملية التسوية السياسية (المبادرة الخليجية - القرار الأممي 2216 - مخرجات الحوار الوطني)، بالإضافة إلى رفضهم التخلي عن مشروعهم السياسي بكل أبعاده الأيديولوجية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، ويعتبرون ذلك غير قابل للتفاوض" (العنابي، 2024).
4 - تحديات الحكم المحلي:
تواجه السلطات المحلية في بعض المناطق، مثل الجنوب واجزاء من المحافظات الشمالية، تحديات كبيرة في إدارة الحكم وفرض السلطة. ففي الجنوب، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تحقيق استقلالية أكبر أو على الأقل منح الحكم المحلي المزيد من الصلاحيات، مما يزيد من تعقيد العلاقة مع الحكومة المركزية. في المقابل، تتمسك الحكومة الشرعية بوحدة اليمن وترفض أي تحركات قد تؤدي إلى تقسيمه.
إن التوترات الإقليمية والدولية تلعب دورًا كبيرًا في تعقيد الانتقال السياسي في اليمن. فالتدخلات الخارجية، سواء من قبل دول التحالف العربي أو إيران، تؤثر بشكل مباشر على مسار التسوية السياسية، وتزيد من تعقيد الأمور. ففي حين يسعى المجتمع الدولي إلى إيجاد حل سياسي، فإن التدخلات الخارجية تدفع الأطراف المحلية إلى تبني مواقف متباينة، مما يزيد من تعقيد الحلول السلمية.
5 - هشاشة مؤسسات الدولة:
من المعلوم "إن معضلة الأزمة في اليمن تكمن في أولوية إعادة بناء الدولة الوطنية، وليس فقط إعادة بناء نظام سياسي، ففي مقابل مشروع 'الدولة الوطنية' فإن كل فصيل سياسي لديه مشروع 'الدولة المتخيلة' التي تختلف عن الدولة التي عرفها اليمن منذ ستينيات القرن الماضي" (عليبة، 2023، 5).
إضافة إلى ذلك تبرز ، مشكلة أخرى تكمن في ضعف المؤسسات السياسية في اليمن. فبسبب سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، تعرضت العديد من المؤسسات الحكومية في اليمن للضعف والتهميش، ما يؤدي إلى صعوبة في إدارة عملية الانتقال السياسي. كما أن الفساد المستشري في بعض هذه المؤسسات يعمق من مشكلة ضعف الحوكمة، مما يزيد من تعقيد عملية الإصلاح السياسي.
في المجمل، تتجسد تعقيدات الانتقال السياسي في اليمن في تعدد الأطراف السياسية والعسكرية، والاختلافات الأيديولوجية، والصعوبات في إدارة الحكم المحلي، والانقسامات الاجتماعية والطائفية، فضلاً عن التدخلات الأجنبية. هذه العوامل تخلق بيئة غير مواتية لتحقيق تسوية سياسية شاملة، مما يطيل أمد الأزمة ويزيد من تعقيد عملية السلام في البلاد.
7 - المستجدات الجديدة:
تعد المستجدات الجديدة في الساحة اليمنية من العوامل المؤثرة بشكل كبير في عملية التسوية السياسية، إذ تسهم هذه المستجدات في تغيير موازين القوى وتعقيد المفاوضات الجارية. وتتجسد هذه المستجدات في تغيرات سياسية وعسكرية وأمنية على الأرض، بالإضافة إلى تحولات في مواقف الأطراف المحلية والدولية. ويمكن ايجاز المستجدات الجديدة في الصراع اليمني على النحو التالي:
١ - التحولات العسكرية وتأثيرها على التسوية السياسية:
تزايد النشاط العسكري في بعض المناطق اليمنية قد يعرقل جهود التسوية السياسية. فالتصعيد العسكري الذي تشهده بعض الجبهات، مثل تعز أو مأرب، يعكس عدم استقرار الوضع الميداني ويزيد من حدة الصراع، مما يجعل من الصعب التوصل إلى تهدئة شاملة بين الأطراف المتنازعة. هذا التصعيد العسكري قد يؤدي أيضًا إلى تغييرات في المواقف السياسية للأطراف المختلفة، حيث قد تسعى بعض الأطراف إلى استغلال الانتصارات العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية في مفاوضات السلام.
٢ - تدخلات القوى الإقليمية والدولية:
تدخلات القوى الإقليمية والدولية المستمرة في الشأن اليمني تمثل مستجدًا كبيرًا يؤثر في مجريات التسوية السياسية. فالتنافس بين الدول الإقليمية، يخلق بيئة معقدة من التدخلات والتوجهات المتباينة، مما يؤدي إلى تضارب المصالح ويزيد من صعوبة إيجاد حل سياسي متفق عليه بين الأطراف المحلية.
3 - التحولات في مواقف الأطراف الداخلية:
التحولات في مواقف الأطراف الداخلية، مثل تغيرات في مواقف بعض القوى السياسية أو الجماعات المسلحة، يمكن أن تؤدي إلى تغيير في مسار المفاوضات. فالتغيرات في التحالفات أو في أولويات بعض الأطراف قد تفتح المجال أمام فرص جديدة للتفاوض أو قد تعمق الانقسامات، مما يزيد من تعقيد جهود الحل السياسي.
4 - التحديات الإنسانية في اليمن:
تُعد التحديات الإنسانية التي يواجهها اليمنيون نتيجة استمرار النزاع، مثل الحصار الاقتصادي والتدمير الواسع للبنية التحتية، من المستجدات التي يجب أخذها بعين الاعتبار في أي عملية تسوية. إن استمرار الأزمة الإنسانية في اليمن يؤثر بشكل مباشر على قدرة المجتمع الدولي على دفع الأطراف المتنازعة نحو التوصل إلى حل سياسي، حيث يؤدي الوضع الإنساني المتردي إلى زيادة الضغط على الأطراف السياسية للتوصل إلى تسوية، ولكنه في الوقت نفسه قد يخلق بيئة يصعب فيها الاتفاق على شروط تسوية عادلة لجميع الأطراف.
5 - التصعيد العسكري وتأثيره على المفاوضات السياسية:
تُعتبر التصعيدات العسكرية المستمرة بين الأطراف اليمنية واحدة من أبرز المستجدات التي تعرقل التوصل إلى اتفاق سياسي. فبينما تسعى بعض الأطراف إلى فرض واقع ميداني جديد من خلال العمليات العسكرية، يزداد تعقيد الوضع في ظل تزايد الهجمات والهجمات المضادة. هذا التصعيد العسكري لا يزيد فقط من معاناة المدنيين، بل يُضعف من الثقة بين الأطراف المتنازعة ويزيد من تعقيد المفاوضات السياسية.
6 - ظهور تحالفات جديدة:
يُعتبر ظهور تحالفات جديدة بين بعض الأطراف المحلية والإقليمية من المستجدات التي قد تؤثر في مسار التسوية السياسية. فالتغيرات في التحالفات السياسية والميدانية قد تخلق توازنات جديدة، مما يغير أولويات الأطراف ويعيد ترتيب أوراق المفاوضات. هذه التحالفات قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في العلاقة بين الفصائل السياسية اليمنية، مما يزيد من تعقيد جهود المجتمع الدولي في إيجاد حلول سلمية.
7 - التوجهات الدولية نحو الأزمة اليمنية:
"إن التركيز والاهتمام الدولي في اليمن يتجه بالدرجة الأولى نحو قضايا محددة من الأزمة، وتحديدًا ما يتعلق بموقع اليمن الاستراتيجي وتأمين حركة الملاحة الدولية، دون البحث عن حل شامل يسهم في النهوض بالاستقرار وعملية الانتقال الديمقراطي في اليمن" (غريب، 2020، 108).
8 - ضرورة وضوح الموقف الدولي والإقليمي:
إن التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن "يتطلب وضوح الموقف الدولي والإقليمي من سلامة ووحدة اليمن ووقف دعم بعض دول الإقليم، خاصة الدول الخليجية، للجماعات المحلية المتصارعة، وتخلي الجماعات المسلحة عن سلاحها وانضمامها إلى جيش يمني موحد، ووضع خطة اقتصادية وإنسانية لمعالجة آثار الحرب. كما يجب مشاركة جميع أطراف الصراع في اليمن" (دشيلة، 2023).
باختصار، إن المستجدات الجديدة، سواء كانت عسكرية، سياسية، أو إنسانية، تؤثر بشكل كبير على عملية التسوية السياسية في اليمن. هذه المستجدات تزيد من تعقيد الوضع وتفرض تحديات إضافية أمام أي جهد دولي أو محلي يهدف إلى إنهاء الصراع وتحقيق السلام.
في الختام ، يتضح أن معوقات التسوية السياسية في اليمن تتنوع وتتكامل مع بعضها البعض، بدءاً من تعقيدات الصراع العسكري وتعدد الأطراف المتنازعة، وصولاً إلى غياب مشروع وطني جامع وتزايد التعقيدات الإقليمية والدولية. ورغم ذلك، فإنّ استمرار الجهود الدولية والمحلية للتوصل إلى تسوية شاملة يبقى أملاً يراود الجميع في تحقيق السلام والاستقرار. ومن أجل ذلك، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف لتحقيق التفاهمات اللازمة والابتعاد عن المقايضات الضيقة التي تؤخر الحلول الشاملة.
قائمة المراجع:
اولا : الرسائل العلمية:
1 - غريب، سلطان علي حسن. الأزمة اليمنية (2011-2020)؛ دراسة تحليلية لأسبابها وطرائق إداراتها ومساراتها المستقبلية. رسالة ماجستير، قسم العلوم السياسية، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، تشرين الأول 2020.
ثانيا: الدراسات:
1 - الأحصب، أحمد. "مستقبل السلام في اليمن." بناء السلام في اليمن: تجارب- مؤثرات- شروط. مركز المخأ للدراسات الاستراتيجية، 2021 ، الرابط https://mokhacenter.org
2 - عليبة، أحمد. "إعادة تشكل اليمن: مقاربات التسوية وبناء السلام." مركز اليمن والخليج للدراسات، 2023، https://ygcs.center/studies/article8.
ثالثا: المواقع الإلكترونية:
1- العنابي ، بندر . مفاوضات إنهاء الأزمة اليمنية هل ستنجح في تحقيق السلام؟، مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية، 15 مايو 2024، https://yfcss.com
2 - دشيلة ، عادل ." تحديات التسوية السياسية في اليمن وسيناريوهات المستقبل ، منتدى فكرة ، 23 مايو 2023. https://www.washingtoninstitute.org
3 - نصر، جهاد. "تطور المشهد اليمني في ضوء التغيرات الإقليمية والدولية." مركز رع للدراسات الاستراتيجية. https://rcssegypt.com