مقالات صحفية


الإضراب الجامعي: عندما يصبح الفقراء وحدهم وقود المعركة

السبت - 12 أبريل 2025 - الساعة 09:34 م

د. عبدالقادر لطف الخلي
الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب



في زمنٍ لم تعد فيه الدولة تُرى إلا في نشرات الأخبار، يقف أبناؤنا على أبواب الجامعات كمن ينتظر قطارًا لا يصل. أمهات ترسل أبناءها بقلق كل صباح إلى مدرجات مغلقة، وآباء يجهلون كيف يشرحون لصغارهم أن الحلم بالتخرج صار مؤجلًا إلى أجلٍ غير مسمى، لأن البلاد تحترق فحسب ، بل لأن النظام التعليمي أصبح نفسه يحترق بصمت... وتحت الرماد، لا يتضرر سوى الفقير.

تمر الجامعات الحكومية هذه الأيام بحالة إضراب مفتوح، لكن ما يبدو في ظاهره احتجاجًا شاملاً من أجل حقوق مشروعة، يكشف في جوهره خللاً بنيويًا عميقًا يكرّس الفوارق الطبقية ويكشف هشاشة مؤسسات الدولة، إن وُجدت.

فبينما يتوقف التدريس في كليات الآداب والعلوم والتربية وبعض الأقسام الإدارية، يستمر التدريس بشكل طبيعي في كليات الطب والهندسة والدراسات العليا والتعليم المستمر، ومركز الدراسات العليا وحتى في أقسام محددة داخل الكليات المتوقفة ظاهريًا. والجامع بين الأقسام المستمرة في التدريس أنها - وبلا استثناء تقريبًا - تستقبل أعدادًا كبيرة من الطلاب عبر نظام "الموازي"، أي طلاب يدفعون مبالغ مالية كبيرة مقابل التعليم. وهذا يعني أن الفئات الميسورة تتابع دراستها بلا انقطاع، بينما أولاد الفقراء وحدهم يدفعون ثمن الإضراب.

هذا السيناريو ينطبق على إضراب المعلمين في المدارس الحكومية، حيث يتعطل مستقبل طلابها بينما المدارس الخاصة تواصل التدريس دون أي تأثر. إنه نمط يتكرر، فيه يتضرر من لا يملك خيارًا آخر سوى الاعتماد على ما توفره له الدولة، بينما من يمتلك المال يصنع لنفسه طريقًا موازيًا.

في كلية العلوم التطبيقية مثلاً، يتم التدريس في أقسام مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وعلوم الحاسوب، بينما تُغلق الأقسام التي يقصدها أبناء الطبقة الفقيرة، وهي في الغالب أقسام ضعيفة الموارد وشحيحة التسجيل. وكأنما الرسالة الواضحة تقول: التعليم الجاد لمن يدفع فقط.

الطامة الكبرى أن رئاسة الجامعة ونوابها لا يحركون ساكنًا، فالتدريس في الأقسام "المربحة" لا يزال مستمرًا، والسفرات والرحلات الرسمية إلى الخارج لم تتوقف، وكأن الإضراب لا يعنيهم طالما أن مصالحهم محفوظة. في ظل هذا التناقض، يصبح الإضراب نفسه أداة تمييز جديدة، بدلًا من أن يكون وسيلة نضال جماعي.

أما المفارقة المؤلمة الأخرى، فهي أن الأصوات الأعلى تأييدًا لاستمرار الإضراب تأتي من خارج أسوار المعاناة المباشرة: إما من أساتذة لا يحملون جداول تدريسية فعلية، أو من أعضاء هيئة تدريس يقيمون في مناطق بعيدة عن الجامعة، وبعضهم في الحوبان أو صنعاء. وبذلك، فإن القرارات المصيرية تتخذها أطراف لا تتأثر بتبعاتها الفعلية.

وفي الخلفية، تتجلى الكارثة الأعظم: غياب الدولة. المحافظات والسلطات المحلية لا تضع ملف التعليم ضمن أولوياتها، كأنما التعليم ليس جزءًا من بناء الدولة، ولا من ركائز استقرار المجتمعات.

إن استمرار هذا الوضع لا يعني سوى شيء واحد: أن الأزمة لم تعد فقط أزمة حقوق موظفين، بل تحوّلت إلى أزمة عدالة اجتماعية، وغياب للحوكمة، وتهميش ممنهج للفقراء. فهل من يسمع؟




شاهد ايضا


مخيمات النازحين في دارفور تحت القصف: إدانات دولية واسعة ...

الإثنين/14/أبريل/2025 - 11:48 ص

نددت دول عدة بينها مصر وقطر والسعودية، بالهجمات التي استهدفت مخيمي زمزم وأبوشوك للنازحين في دارفور غربي السودان، والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. وقالت


تصعيد الاحتلال: عمليات دهم واعتقالات في الضفة الغربية ...

الإثنين/14/أبريل/2025 - 11:40 ص

شنت قوات الاحتلال الليلة الماضية وفجر اليوم الاثنين حملة اعتقالات ومداهمات في مناطق مختلفة بالضفة الغربية، طالت عدداً من المواطنين بينهم أسرى محررون.


ترامب: أمريكا ستقف إلى جانب الصومال في مواجهة الحوثيين الإرهابيين ...

الإثنين/14/أبريل/2025 - 11:33 ص

وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرا صارما للحوثيين قائلا إن الوقت قد حان لهم للاختباء الآن بعد أن أزال "البيروقراطية الخطيرة" من إدارة بايدن، مما