مقالات صحفية


المراكز الصيفية الحوثية: معسكرات لتفخيخ العقول وتجريف الهوية اليمنية

الخميس - 10 أبريل 2025 - الساعة 10:30 م

د. عبدالقادر لطف الخلي
الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب



منذ انقلابها على الدولة في العام 2014، شرعت مليشيا الحوثي الإرهابية في مشروعها الهادف إلى إعادة صياغة المجتمع اليمني وفق أيديولوجيا طائفية دخيلة، مستوردة من إيران، ترتكز على تفكيك الهوية الوطنية وتمجيد السلالة. وكان أحد أبرز ساحات هذا المشروع هو القطاع التربوي والتعليمي، الذي سرعان ما تحول من فضاء لبناء الوعي والعقل، إلى أداة لغسل الأدمغة وتحويل الأطفال إلى أدوات لخدمة المشروع الحوثي العقائدي.

المراكز الصيفية: جبهة جديدة في حرب الجماعة ضد الطفولة

المراكز الصيفية التي دشّن زعيم الجماعة الحوثية انطلاقتها مؤخراً ليست سوى امتداد لحرب ناعمة وشرسة تشنها المليشيا ضد أطفال اليمن. هذه المراكز التي يُفترض أن تكون بيئة تربوية وترفيهية موسمية، تحوّلت إلى معامل أيديولوجية لتلقين الفكر الطائفي، وتجنيد الأطفال ذهنياً وعسكرياً، وطمس كل ملامح التنوع والتعدد الوطني والثقافي لليمنيين.

ما يجري داخل هذه المراكز لا يمت بأي صلة إلى التربية والتعليم، بل هو مشروع تدميري ممنهج يستهدف الطفولة ويغرس في عقولها الصغيرة أفكار الكراهية والتمايز العنصري، ويهيّئها لتكون جزءاً من آلة الحرب الحوثية.

هدم التعليم النظامي: بوابة السيطرة على الوعي

أدركت مليشيا الحوثي مبكراً أن التعليم هو الحصن الأخير للهوية الوطنية والوعي الجمعي، لذا استهدفته بشكل ممنهج. قامت الجماعة بتغيير المناهج الدراسية، لا سيما في مواد التربية الإسلامية والتاريخ واللغة العربية، لتغدو أداة تمجيد للجماعة، وتقديساً لرموزها، وترويجاً لسردية طائفية تتناقض مع الهوية اليمنية الجامعة.

كما عملت على تهميش المعلمين من خلال قطع رواتبهم واستبدالهم بعناصر موالية لها، واختصرت العام الدراسي، وحوّلت المدارس إلى ثكنات عسكرية ومخازن للأسلحة. هذه الخطوات أدّت إلى انهيار المنظومة التعليمية، وتحويلها إلى أداة فارغة من مضامينها التربوية والتنموية، لتصبح مجرد وسيلة لتعبئة العقول بخرافات الجماعة وأوهامها الدينية والسياسية.

المراكز الصيفية: مختبرات للغسل الفكري والتجنيد

تشير تقارير رسمية إلى أن الجماعة افتتحت أكثر من 6,000 مركز صيفي في مناطق سيطرتها، واستقطبت ما يزيد عن 620,000 طفل وطفلة تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاماً. المحتوى التعليمي في هذه المراكز يتجنب بشكل كلي تدريس المواد العلمية والثقافية، ويركز على ملازم حسين الحوثي، وخطب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، التي تحوي خطاباً طائفياً إقصائياً يحرض على الكراهية، ويزيف التاريخ ويشوّه الوعي الوطني.

يتم في هذه المراكز تصنيف اليمنيين وفقاً لانتماءاتهم المناطقية والمذهبية، ووصم أبناء المناطق المحررة بالخيانة، في تكريس خطير لثقافة الحقد والانقسام، وتفخيخ النسيج الاجتماعي اليمني.

التجنيد القسري: من الطفولة إلى ساحات الموت

لا يقتصر خطر هذه المراكز على التعبئة الفكرية فقط، بل يمتد إلى تجنيد الأطفال والزج بهم في جبهات القتال. وفق تقارير أممية، جندت المليشيا أكثر من 10,000 طفل منذ اندلاع الحرب، فيما أفادت تقارير أخرى أن ما لا يقل عن 1,500 طفل لقوا حتفهم خلال عام 2020 فقط. هؤلاء الأطفال يتم "تهيئتهم" داخل المراكز الصيفية عبر التدريب على استخدام الأسلحة وغسل أدمغتهم بخطابات الجهاد الزائف، ثم يُدفع بهم إلى محارق الموت في معارك لا يفهمون أسبابها ولا يدركون بشاعتها.

تجريف الذاكرة الجمعية: مشروع إبادة ثقافية

ما تقوم به مليشيا الحوثي ليس مجرد انتهاك لحقوق الطفل أو تدمير للمؤسسة التعليمية، بل هو حرب إبادة ثقافية تستهدف العقل اليمني وهويته الجامعة. تسعى الجماعة إلى خلق جيل لا يؤمن بالوطن كمفهوم جامع، بل كملكية حصرية للسلالة. جيل مفرغ من الانتماء الوطني، ومحشو بأوهام التفوق العرقي والديني، وجاهز لتنفيذ أجندات الجماعة دون وعي أو مساءلة.

الخلاصة: لا سبيل سوى إسقاط الانقلاب

ما يحدث اليوم في المراكز الصيفية الحوثية ليس عرضاً جانبياً للصراع في اليمن، بل هو جوهر المشروع الحوثي ذاته، الذي يسعى إلى بناء دولة دينية قائمة على الطائفية والتمييز العنصري. وكل يوم يمر دون إنهاء هذا الانقلاب، يدفع اليمنيون ثمنه من أرواح أبنائهم ومستقبل أجيالهم.

إن مواجهة هذا العبث لا يمكن أن تتم إلا عبر استعادة الدولة اليمنية بمشروعها الوطني الجامع، وتحرير المؤسسات التعليمية من قبضة المليشيا، وبناء نظام تعليمي عصري يعزز قيم الانتماء والعدالة والمواطنة، ويصون ذاكرة اليمنيين وهويتهم الجامعة من محاولات المسخ والتفكيك.




شاهد ايضا


مخيمات النازحين في دارفور تحت القصف: إدانات دولية واسعة ...

الإثنين/14/أبريل/2025 - 11:48 ص

نددت دول عدة بينها مصر وقطر والسعودية، بالهجمات التي استهدفت مخيمي زمزم وأبوشوك للنازحين في دارفور غربي السودان، والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. وقالت


تصعيد الاحتلال: عمليات دهم واعتقالات في الضفة الغربية ...

الإثنين/14/أبريل/2025 - 11:40 ص

شنت قوات الاحتلال الليلة الماضية وفجر اليوم الاثنين حملة اعتقالات ومداهمات في مناطق مختلفة بالضفة الغربية، طالت عدداً من المواطنين بينهم أسرى محررون.


ترامب: أمريكا ستقف إلى جانب الصومال في مواجهة الحوثيين الإرهابيين ...

الإثنين/14/أبريل/2025 - 11:33 ص

وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرا صارما للحوثيين قائلا إن الوقت قد حان لهم للاختباء الآن بعد أن أزال "البيروقراطية الخطيرة" من إدارة بايدن، مما