شواطئ الحديدة.. أفخاخ إيرانية على ضفاف البحر الأحمر

الأربعاء - 09 أبريل 2025 - الساعة 11:17 ص

الكاتب: د.محمد العرب ‏@malarab1 - ارشيف الكاتب

منذ الانقلاب على الشرعية في اليمن، تحولت مدينة الحديدة من ميناء حيوي إلى برميل بارود مفخخ بيد ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، وهي اليوم تقف شاهدة على واحدة من أخطر عمليات العسكرة الممنهجة ضد المدن الساحلية في المنطقة…
المليشيات لم تكتف بتحويل الميناء إلى نقطة انطلاق لهجماتها البحرية، بل مضت أبعد من ذلك، بزرع الموت على امتداد الشريط الساحلي، في عملية تفخيخ واسعة النطاق، موثقة بالأدلة والبراهين، وتشي بنوايا تخريب وتهديد للملاحة الدولية.
بحسب تقارير صادرة عن جهات استخباراتية وتحقيقات صحفية متعددة، زرع الحوثيون ألغاماً بحرية وبرية تمتد على مساحات تقدر بأكثر من خمسين كيلومتراً ، من منطقة الصليف شمالاً إلى التحيتا جنوباً ولم تسلم حتى الشواطئ القريبة من مدينة الحديدة ذاتها من هذه المخاطر، حيث وثقت فرق نزع الألغام المحلية والدولية عشرات المواقع المفخخة في محيط ميناء الحديدة وساحل العلوي وساحل الفازة وسواحل المغرس والحيمة. وهي مناطق يُفترض أن تكون ممرات آمنة للصيادين والتجارة، فإذا بها تتحول إلى فخاخ موت تبتلع أرواح الأبرياء.
وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية وتقارير الأقسام الفنية التابعة للأمم المتحدة، أن ميناء الحديدة يشهد تكدساً لأسلحة مهربة تُفرغ من سفن مشبوهة، بينها مكونات طائرات مسيّرة وألغام بحرية ومواد شديدة الانفجار، في خرق واضح وصريح لاتفاق ستوكهولم. فالاتفاق الذي نصّ على تجنيب الميناء الصراع العسكري، تم التنصل منه بشكل ممنهج من قبل الحوثيين، الذين حولوه إلى منصة لوجستية لتلقي الدعم الإيراني العسكري والتخطيط لهجمات بحرية، لا تستهدف فقط الداخل اليمني بل تهدد أيضاً الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب.
ومن الجدير بالذكر أن القوات اليمنية المشتركة، وبالتعاون مع برنامج مسام تمكنت في السنوات الماضية من تفكيك آلاف الألغام البحرية التي زرعها الحوثيون قبالة سواحل الحديدة، بعضها كان معداً للتفجير عن بعد، وبعضها تم تثبيته بأساليب فنية متقدمة، ما يعكس حجم الخبرة الإيرانية المقدمة للميليشيا. بل إن تقارير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن تؤكد وجود نمط متكرر من الألغام المطابقة لتلك التي صادرتها القوات الأميركية والبريطانية في بحر العرب، والمصنوعة في مصانع إيرانية.
الواقع على الأرض أكثر خطورة مما يُنقل في الإعلام. الصيادون في الحديدة لم يعودوا يجرؤون على الدخول إلى البحر. القوارب التي تخرج لا تضمن عودتها، ليس بسبب الطقس أو قراصنة، بل بسبب الغام بحرية زرعها الحوثي في عرض البحر كأنها كمائن لصيد أرواح اليمنيين. وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان عشرات الحالات لمدنيين قتلوا أو بُترت أطرافهم نتيجة انفجار ألغام على شواطئ يُفترض أنها آمنة.
هذا التحول الخطير في طبيعة التهديد الحوثي يُنبئ بتحوّل الحديدة إلى منصة قتالية متقدمة في حربٍ أكبر مما يُرى على السطح. إذ إن التفخيخ الممنهج للسواحل لا يمكن قراءته بمعزل عن التهديدات الإيرانية المستمرة بإغلاق باب المندب والضغط على خطوط التجارة البحرية الدولية، تماماً كما تفعل طهران في مضيق هرمز. الحوثي، بهذه التكتيكات، لم يعد مجرد ميليشيا محلية، بل صار أداة ضغط جيوسياسي في يد إيران، تلوّح بها متى أرادت إشعال أزمة أو تفاوض على ملف.
وإذا استمرت الأمم المتحدة في سياسة التغاضي، فإن خطر الحديدة لن يظل محلياً ، اليوم تُفخخ الشواطئ اليمنية، وغداً قد تفُخخ ممرات الملاحة الدولية. اليوم تُهدد أرواح الصيادين، وغداً قد تُهدد ناقلات النفط والبضائع لعقود حتى ولو انتهى الأنقلاب ، الميليشيا لا تمتلك مشروع دولة، لكنها تملك مشروعاً للفوضى والتفجير والابتزاز.
إن الصمت عن هذه الانتهاكات ليس حياداً، بل انحياز غير مباشر لمشروع التخريب. وإن المراهنة على نوايا الحوثي للسلام تُشبه الوثوق بلغم بحري قد ينفجر في أي لحظة. الحديدة اليوم ليست مدينة محتلة فقط بل مدينة مفخخة نعم مفخخة ، يُستخدم فيها السكان دروعاً بشرية، وتُستخدم سواحلها كخطوط تماس خفية، في حربٍ غير معلنة تُهدد اليمن والمنطقة والعالم.
وما لم تُتخذ خطوات حاسمة دولياً لوقف عسكرة الميناء، ونزع الألغام من سواحله، وتجفيف منابع الدعم الإيراني، فإن كل شبر في الحديدة سيظل مرشحاً للانفجار، وكل دقيقة تمر تعني المزيد من الأرواح في عداد الضحايا.