مقالات صحفية


السلام "إعادة تعريف شامل"

الجمعة - 24 يناير 2025 - الساعة 09:10 م

مهند الغرساني
الكاتب: مهند الغرساني - ارشيف الكاتب



السلام هو مفهوم قديم يتراوح بين التصورات البسيطة والتعقيدات الفلسفية العميقة. غالبًا ما يُفهم السلام على أنه غياب الحرب أو العنف، ولكن إذا نظرنا إليه من منظور أعمق، سنجد أنه يمثل الحالة الطبيعية "المنسجمة" التي يسعى إليها الفرد والمجتمع والدولة. يشمل السلام الفرد، حيث يتحقق التوازن النفسي والعقلي، كما يشمل المجتمع والدولة، حيث يسود العدل والاحترام المتبادل.

إن فهم السلام على أنه أكثر من مجرد غياب الصراع يُشجعنا على التفكير في العوامل التي تسهم في تحقيقه. فعندما يعيش الأفراد في حالة من السلم النفسي، يصبح لديهم القدرة على بناء علاقات صحية ومتوازنة مع الآخرين، مما يعزز الرفاه العام. وعلى المستوى المجتمعي، يمكن أن يُسهم الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة في تحقيق التماسك الاجتماعي وتقوية الروابط بين الناس. أما على المستوى الدولي، فإن التعاون بين الدول واحترام السيادة يبني أساسًا قويًا للسلام العالمي.

لذا، ستتناول هذه المقالة الأبعاد المختلفة للسلام وكيفية استدامته كحالة منسجمة تعود بالنفع على الجميع، مما يجعل تحقيق السلام قيمة أساسية تسعى كل المجتمعات إلى تحقيقها، وذلك من خلال النقاط التالية:


1) السلام كحالة طبيعية منسجمة:

1.1 السلام كحالة طبيعية:

السلام كحالة طبيعية منسجمة يشير إلى أن السلام ليس حالة مؤقتة أو ظرفية تحدث في فترات معينة، بل هو حالة ثابتة يجب أن تكون جزءًا من الحياة اليومية. عندما تكون جميع جوانب الحياة منسجمة، يحدث السلام بشكل طبيعي. بمعنى آخر، يُفترض أن يكون السلام هو الوضع الأساسي أو الأمثل الذي يعيش فيه الإنسان والمجتمع والدولة، حيث لا يكون هناك صراع أو توتر داخلي أو خارجي. السلام هنا يعني التوازن بين الفرد وذاته، وبين الفرد والمجتمع، وبين المجتمعات والدول، مما يعكس حالة من الاستقرار النفسي والوجودي. ولذلك، يُعتبر السلام حاجة فطرية تساعد الأفراد على العيش في انسجام مع أنفسهم ومع العالم من حولهم، بعيدًا عن القلق والصراعات.

1.2 المنسجم:

المنسجم يشير إلى التوازن والتكامل بين الأبعاد المختلفة في الحياة، سواء كان ذلك على مستوى الفرد الذي يعيش في سلام داخلي مع نفسه، أو على مستوى المجتمع الذي يسود فيه التعاون والعدالة، أو على مستوى الدولة التي تضمن استقرارها وحكمها الرشيد. التناغم بين هذه الأبعاد الثلاثة يعكس مفهوم السلام الشامل، حيث لا يُختزل السلام فقط في غياب العنف أو الحروب، بل في قدرة الأفراد على التعايش بسلام مع أنفسهم ومع الآخرين في بيئة قائمة على الاحترام المتبادل. على مستوى المجتمع، يعزز الانسجام من تعزيز التفاهم بين مختلف الأفراد والجماعات، مما يؤدي إلى بناء علاقات صحية وفعّالة تحفز على التماسك الاجتماعي. أما على مستوى الدولة، فإن الانسجام يعني وجود حكم عادل يضمن حقوق جميع المواطنين ويعزز من استقرار المؤسسات، وبالتالي يساعد في تفادي النزاعات الداخلية والخارجية. بشكل عام، يُعتبر المنسجم في هذا السياق الحالة التي تُعزّز فيها جميع جوانب الحياة لتعمل بتكامل وتوازن، مما يساهم في تحقيق السلام المستدام على جميع المستويات.

وبناءً عليه، فإن السلام ليس شيئًا يتم السعي لتحقيقه بشكل مؤقت فقط، بل هو الحالة الطبيعية التي يجب أن تسود إذا تم تحقيق الانسجام والتوازن بين الأفراد والمجتمعات والدول.

2) السلام كحالة طبيعية منسجمة للفرد:

السلام كحالة طبيعية منسجمة للفرد يُعتبر أحد أهم الأبعاد التي تعزز السلام بشكل عام. يتحقق هذا النوع من السلام من خلال تحقيق التوازن النفسي والعقلي، حيث يسعى الفرد إلى الوصول إلى حالة من الاستقرار الداخلي. يتجلى هذا الاستقرار في قدرة الشخص على إدارة مشاعره وأفكاره بطرق إيجابية، مما يؤدي إلى تعزيز ثقته بنفسه وقدرته على التفاعل الصحي مع الآخرين.

من خلال السلام الداخلي، يتمكن الفرد من بناء علاقات صحية مع الآخرين، حيث يكون قادرًا على التعبير عن نفسه بحرية واحترام، مما يساهم في خلق بيئة محيطة تسود فيها التفاهم والاحترام المتبادل. إذًا، السلام كحالة طبيعية منسجمة للفرد ليس مجرد غياب الاضطراب الداخلي، بل هو حالة مستمرة من التوازن الداخلي الذي يسهم في رفاهية الفرد ونجاحه في حياته الاجتماعية والعملية.

تتحقق هذه الحالة من السلام عندما ينجح الفرد في إيجاد التوازن بين متطلبات الحياة اليومية وتحدياتها، فيصبح قادرًا على مواجهة الضغوطات دون أن يؤثر ذلك سلبًا على حالته النفسية والعاطفية. وبذلك، يكون السلام الداخلي ركيزة أساسية لبناء حياة متوازنة وناجحة.

3) السلام كحالة طبيعية منسجمة للمجتمع:

عند النظر إلى السلام في السياق الاجتماعي، يتضح أن المجتمع الذي يعيش في سلام هو المجتمع الذي يعكس فيه الأفراد تفاعلات متوافقة ومتناغمة، حيث يتم تعزيز قيم التعاون والاحترام المتبادل. فالسلام الاجتماعي لا يعني غياب النزاعات فحسب، بل يعني أيضًا القدرة على معالجة هذه النزاعات بطرق سلمية وفعالة من خلال الحوار والتفاوض.

إن تحقيق السلام في المجتمع يتطلب توافر مجموعة من المبادئ الأساسية، مثل العدالة والمساواة وحقوق الإنسان. كما أن التماسك الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع يعدان من أبرز سمات السلام المجتمعي. في هذا السياق، يكون السلام بمثابة قوة دافعة نحو تحسين حياة الأفراد وزيادة فرص التنمية والرفاهية العامة.

السلام المجتمعي لا يعني غياب الاختلافات، بل يعني القدرة على التعامل مع هذه الاختلافات بشكل بناء. في المجتمعات التي تتمتع بالسلام، يسود الشعور بالانتماء والعدالة، ويتعاون الأفراد لتحقيق المصلحة العامة دون الإضرار بالآخرين. هذا النوع من السلام يعزز التماسك الاجتماعي ويمنح كل فرد في المجتمع الفرصة لتحقيق إمكاناته.

من خلال هذه المبادئ، يسهم السلام المجتمعي في بناء مجتمع قوي ومستقر، قادر على مواجهة التحديات المختلفة بروح من التعاون والوئام.

4) السلام كحالة طبيعية منسجمة للدولة:

على مستوى الدولة، يمثل السلام الأساس الذي تقوم عليه المؤسسات الديمقراطية وتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية. الدولة التي تنعم بالسلام تكون أكثر قدرة على تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. كما أن الاستقرار السياسي الذي يسود في الدولة يسهم في بناء بيئة مواتية للاستثمار والنمو الاقتصادي.

السلام في الدولة لا يعني فقط غياب الحروب، بل يشمل أيضًا وجود بيئة تحترم حقوق الإنسان، وتعزز التعاون بين مختلف القطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. دولة تسعى إلى السلام تضع أولوياتها في تحقيق الأمن، وتطوير السياسات التي تدعم التفاهم المشترك، وتعزز التسامح بين الفئات المختلفة في المجتمع.

من خلال تعزيز السلام الداخلي والخارجي، تخلق الدولة بيئة تسمح بالنمو والتطور، مما يسهم في تحسين حياة المواطنين ورفع مستوى رفاهيتهم. وبالتالي، يصبح السلام ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل مستقر لجميع أفراد المجتمع.

5) التكامل بين الفرد والمجتمع والدولة في تحقيق السلام:

إن السلام ليس ظاهرة مفردة يمكن تحقيقها في جزء واحد فقط من النظام الاجتماعي أو السياسي. بل هو حالة مترابطة تتداخل فيها جميع هذه الأبعاد: الفرد والمجتمع والدولة. فكلما كان الفرد في حالة من السلام الداخلي، انعكس ذلك بشكل إيجابي على علاقاته الاجتماعية والمجتمعية، مما يساهم في استقرار المجتمع. بدوره، فإن المجتمع السلمي والمستقر يعزز من استقرار الدولة، مما يخلق بيئة تمكن من تعزيز جميع جوانب الحياة.

يتطلب الأمر أيضًا أن تتبنى الدولة سياسات تدعم سلام الأفراد والمجتمعات، من خلال نشر قيم التسامح، العدالة، وحقوق الإنسان. إن تعزيز السلام من خلال هذه السياسات يضمن بناء بيئة قادرة على احتواء التحديات، والعمل على حلها بطرق حضارية وسلمية.

إجمالًا، من خلال إعادة تعريف السلام باعتباره "الحالة الطبيعية المنسجمة" للفرد والمجتمع والدولة، نجد أن السلام ليس مجرد غياب العنف أو الحرب، بل هو حالة من التناغم والتوازن في جميع أبعاد الحياة. السلام الداخلي للفرد يُترجم إلى سلام اجتماعي، ومن ثم إلى سلام على مستوى الدولة. لهذا، لا يمكن تحقيق السلام المستدام إلا من خلال السعي لتحقيق الانسجام بين هذه الأبعاد الثلاثة. وبذلك يصبح السلام قيمة حيوية تسهم في رفاهية الإنسان والمجتمع بشكل عام.




شاهد ايضا


مقتل وإصابة مدنيين في إب جراء صراع مسلح حول قطعة أرض بين فصائل متنازعة ...

الأربعاء/05/فبراير/2025 - 12:21 م

لقي شاب مصرعه وأصيب اثنين آخرين بينهم طفل، برصاص مسلحين كانوا يتبادلون إطلاق النار فب أحد أسواق مدينة يريم، شمالي إب (وسط اليمن) في ظل فوضى أمنية عارم


تصريحات ترامب حول غزة تثير انتقادات دولية حادة وتؤجج التوترات في المنط ...

الأربعاء/05/فبراير/2025 - 11:38 ص

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى ردود فعل حادة فيما يلي أبرز


اليمن الأمن في تعز يلقي القبض على مطلوباً في قضية قتل ثلاثة مواطنين ...

الأربعاء/05/فبراير/2025 - 11:13 ص

عنوان مناسب جدا قالت الأجهزة الأمنية في شرطة محافظة تعز، إنها تمكنت من إلقاء القبض على مطلوب في قضية قتل ثلاثة مواطنين وقعت بمدينة تعز قبل ثلاث سنوات