مقالات صحفية


اليمن: بين مسار السلام ودوامة الصراع

السبت - 11 يناير 2025 - الساعة 09:24 م

د. عبدالقادر لطف الخلي
الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب



اليمن، البلد الذي أرهقته سنوات من الصراع السياسي والإنساني، يقف اليوم على مفترق طرق قد يحدد مستقبله لعقود قادمة. وفي ظل جهود المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لإحياء عملية السلام، برزت مبادرات تحمل وعوداً كبيرة لكنها، في الوقت ذاته، تواجه تحديات عميقة.

سلام هش أم خطوة نحو الاستقرار؟

أي مبادرة للسلام في اليمن لا تُبنى على أسس قوية ومستدامة تُعتبر خطوة محفوفة بالمخاطر. فهناك إجماع بين المراقبين على أن الركائز الثلاث (المبادرة الخليجية، قرار مجلس الأمن 2216، ومخرجات الحوار الوطني) تمثل القاعدة الأساسية لأي اتفاق شامل. إن تجاهل هذه المراجع يُفقد عملية السلام شرعيتها، ويفتح الباب أمام انقسامات جديدة قد تعيد البلاد إلى مربع الصراع.

شروط السلام الحقيقي في اليمن

لتحقيق سلام دائم وشامل، يجب معالجة القضايا الجوهرية التي أسهمت في تأجيج الصراع. من أبرز هذه القضايا:

1. استعادة الدولة والجمهورية:
لا يمكن الحديث عن سلام مستدام دون استعادة مؤسسات الدولة وسيادة القانون. يجب أن تكون أي مفاوضات مستندة إلى دستور الجمهورية اليمنية مع التأكيد على شرعية مؤسسات الدولة.


2. نزع سلاح المليشيات الحوثية:
يمثل وجود مليشيات مسلحة خارج إطار الدولة تهديداً مباشراً لاستقرار اليمن. نزع السلاح وتسليمه للجيش الوطني هو شرط أساسي لأي اتفاق يُفضي إلى سلام حقيقي.


3. إلغاء التمييز الطبقي:
التمييز الطبقي الذي برز في السنوات الأخيرة يمثل تحدياً اجتماعياً خطيراً يعمق الانقسامات. يجب أن يتضمن أي اتفاق اعترافاً بجرم التمييز الطبقي ومعالجته عبر سياسات اجتماعية وقانونية واضحة.



المبادرة العمانية: بارقة أمل أم خطوة غامضة؟

سلطنة عمان، التي لعبت دور الوسيط المحايد في الأزمة اليمنية، تسعى حالياً لاستضافة لقاء تاريخي يجمع الأطراف المتنازعة. تتضمن المبادرة عدة نقاط رئيسية، أبرزها:

1. تشكيل مجلس رئاسي مشترك:
يشمل المجلس ممثلين عن الشرعية والحوثيين، برئاسة الدكتور رشاد العليمي، ونائبه الفريق مهدي المشاط. هذه الخطوة تُعد محاولة لتقاسم السلطة، لكنها تواجه تساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق الاستقرار الفعلي.


2. انسحاب القوات الأجنبية:
يُطرح بند انسحاب جميع القوات الأجنبية خلال ثلاثة أيام، وتسليم المواقع لقوات وزارة الدفاع. ورغم أن هذا قد يعزز السيادة الوطنية، إلا أن غياب ضمانات بشأن استقرار الأوضاع الأمنية يثير القلق.


3. إعادة الإعمار والتعويض:
تتعهد السعودية ودول الخليج بتمويل إعادة الإعمار ودعم البنك المركزي بمليارات الدولارات. هذا الدعم ضروري لتعافي الاقتصاد اليمني، لكن الشروط المرتبطة به، مثل الامتناع عن رفع قضايا قانونية ضد التحالف، قد تكون مثار جدل.


4. توحيد الجيش وإلغاء المحاصصة:
يوم 20 رجب سيشهد توحيد الجيش ورفض أي مسميات أخرى، مع تشكيل حكومة كفاءات. هذه الخطوة تُعتبر إيجابية نظرياً، لكنها تحتاج إلى تنفيذ دقيق يضمن شمولية التمثيل الوطني.



تحليل النقاط المطروحة للسلام

نقاط القوة:

تعزز الوحدة الوطنية من خلال تشكيل حكومة كفاءات وتوحيد الجيش.

تسهم التعويضات وإعادة الإعمار في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية.

تمثل خطوة نحو بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.


نقاط الضعف:

غموض الآليات المتعلقة بنزع سلاح الحوثيين يشكل تهديداً لاستدامة السلام.

الاعتماد المفرط على الدعم الخليجي قد يُبقي اليمن في دائرة النفوذ الخارجي.

غياب ضمانات ملزمة لتطبيق جميع بنود الاتفاق.


السلام أم الاستسلام؟

رغم أن المبادرة تمثل بارقة أمل لليمنيين، إلا أن تطبيقها يواجه عقبات حقيقية. إذا لم تُحل القضايا الجوهرية مثل نزع السلاح وضمان سيادة القانون، فقد تتحول هذه الخطوة إلى مجرد هدنة مؤقتة.

السلام الحقيقي يتطلب إرادة سياسية من جميع الأطراف، ووجود ضمانات دولية واضحة لتطبيق الاتفاق. كما ينبغي أن يكون التركيز على بناء دولة مدنية تستوعب جميع مكونات المجتمع اليمني دون تمييز أو إقصاء.

اليمن أمام منعطف تاريخي

في النهاية، تظل الإجابة على سؤال "السلام أم الاستسلام؟" رهناً بمدى التزام الأطراف اليمنية بتقديم تنازلات حقيقية، ووضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر. اليمن اليوم أمام فرصة تاريخية؛ فإما أن يستعيد مجده كدولة موحدة ومستقلة، أو يظل أسيراً لصراعات تهدر موارده وتفرق أبناءه.




شاهد ايضا


مسؤول مصري يرد على #نتنياهو بشأن إدارة #معبر_رفح ...

الأربعاء/22/يناير/2025 - 10:46 م

أكد مسؤول مصري، يوم الأربعاء، أن محادثات القاهرة انتهت بتولي السلطة الفلسطينية إدارة الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ليرد بذلك على نفي أصدره مكتب رئيس ا


عدن: وزير الدفاع يدشن الدورة السابعة في كلية الدفاع الوطني ...

الأربعاء/22/يناير/2025 - 10:06 م

دشن وزير الدفاع الفريق الركن محسن محمد الداعري اليوم الأربعاء الدورة السابعة في كلية الدفاع الوطني في الأكاديمية العسكرية العليا في العاصمة عدن بعد ١٠


بن عزيز يطلع على سير العملية التعليمية والتدريبية بكلية الطيران والدفا ...

الأربعاء/22/يناير/2025 - 09:16 م

اطّلع رئيس هيئة الأركان العامة، قائد العمليات المشتركة، الفريق الركن دكتور صغير حمود بن عزيز، على سير العملية التعليمية والتدريبية في كلية الطيران وال