قراءة تحليلية نقدية للمشهد السياسي الليبي في ظل تداخل المصالح الدولية والإقليمية

الثلاثاء - 07 يناير 2025 - الساعة 08:39 م

الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب

تشهد الساحة الليبية تطورات متسارعة ومتشابكة، تعكس حالة الصراع على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية. في هذا السياق، برزت تصريحات نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية الليبية السابقة، التي تم نقلها عبر منصة بودكاست "أثير" التابعة لشبكة الجزيرة، كعامل جديد أثار جدلاً واسعاً حول دلالات توقيت نشرها وأهداف الجهات التي تقف وراء هذا التسريب.

أبعاد تصريحات المنقوش وتداعياتها على حكومة الدبيبة

جاءت تصريحات المنقوش بعد أشهر من إقالتها إثر تسريب لقاء جمعها بمسؤول إسرائيلي، وهو ما أدى إلى غضب شعبي وإقالتها من منصبها. إعادة بث هذه التصريحات الآن عبر قناة الجزيرة تثير تساؤلات حول الهدف من تسليط الضوء عليها في هذا التوقيت الحساس.

توقيت النشر يتزامن مع إعلان حكومة عبد الحميد الدبيبة شن حملة عسكرية على مدينة الزاوية ضد وحدات تتهمها بالتعاون مع قوات خليفة حفتر. هذا التزامن يضع حكومة الدبيبة، المدعومة من تركيا وقطر، أمام تحديات متزايدة في الحفاظ على شرعيتها الداخلية، حيث يمكن لهذه التصريحات أن تزعزع موقفها أمام مؤيديها، وتفتح المجال لانتقادات واسعة حول علاقتها بالخارج.

الدور التركي-القطري في ليبيـا وتغير المصالح الإقليمية

من الواضح أن تركيا وقطر تعيدان ترتيب أولوياتهما في ليبيا ضمن سياق أوسع من المصالح المشتركة مع روسيا في سوريا. تشير المؤشرات إلى احتمالية وجود صفقة مقايضة بين تركيا وروسيا، تقوم على تخفيف النفوذ التركي في طرابلس مقابل تعزيز وجودها في مناطق أخرى كإفريقيا أو البحر الأحمر.

في السياق نفسه، يبدو أن روسيا قد اختارت تعزيز وجودها في المياه الدافئة بليبيا بدلاً من التورط في صراع طويل الأمد في سوريا، خاصة مع تصاعد التحديات في أوكرانيا. هذا التحول ينعكس في نقل القوات والمعدات الروسية من سوريا إلى ليبيا، وهي خطوة تشير إلى إعادة تموضع استراتيجي.

زيارة رئيس المخابرات المصرية إلى شرق ليبيا ولقائه بخليفة حفتر يعكس اهتمام القاهرة بالحفاظ على أمنها القومي الغربي، وتفضيلها دعم استقرار ليبيا على حساب الانخراط المباشر في الأزمة السورية.

هل نشهد نموذجاً ليبياً شبيهاً بالسيناريو السوري؟

قد يتطور المشهد الليبي ليشابه ما حدث في سوريا، حيث تصبح ليبيا ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، لكن بألوان سياسية مختلفة. هذا السيناريو سيعتمد على كيفية تعامل الأطراف الدولية مع المتغيرات الجديدة، خاصة في ظل وجود لاعبين كفرنسا وإيطاليا ودور الولايات المتحدة في مراقبة الوضع.

التداعيات الإقليمية على السودان والساحل الإفريقي

أي تغييرات في التوازنات في ليبيا ستنعكس مباشرة على السودان ودول الساحل الإفريقي. التوترات في ليبيا تؤثر على تجارة الأسلحة والهجرة غير الشرعية، مما يزيد الضغط على الحكومات الضعيفة في المنطقة. كما أن التحولات قد تمنح روسيا وتركيا مجالاً أوسع لتعزيز وجودهما العسكري والاقتصادي في المنطقة.

انعكاسات المشهد الليبي على اليمن والبحر الأحمر

بالنسبة لليمن، فإن تعزيز الوجود العسكري الروسي أو التركي في البحر الأحمر سيؤثر على مصالحها في قطاع النقل البحري، خاصة مع استمرار التنافس الدولي على الممرات المائية. اليمن، الذي يعاني من صراع داخلي، قد يجد نفسه متأثراً بأي صفقة بين القوى الكبرى في المنطقة، خصوصاً إذا ارتبطت بمصالح جيواستراتيجية في المحيط الهندي والبحر الأحمر.

ختاماً: سيناريوهات المستقبل

المشهد الليبي مرشح لمزيد من التعقيد في ظل التداخل العميق للمصالح الدولية والإقليمية. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار حالة عدم الاستقرار، مع تصاعد الصفقات خلف الكواليس بين الأطراف الفاعلة. تركيا وقطر قد تعيدان النظر في دعمهما للدبيبة إذا وجدت أن مصالحهما مع روسيا أو أطراف أخرى تقتضي ذلك.

الأحداث الحالية تضع ليبيا في قلب معركة النفوذ بين الشرق والغرب، وتعيد تشكيل خريطة التوازنات في المنطقة، مع تأثيرات بعيدة المدى على شمال إفريقيا والبحر الأحمر.