مقالات صحفية
الأزمة التعليمية في تعز: مرآة الانهيار السياسي والاقتصادي في اليمن
الإثنين - 06 يناير 2025 - الساعة 09:09 م
تشهد محافظة تعز اليمنية أزمة تعليمية خانقة تجسد الواقع المأساوي الذي يعانيه اليمن على المستويين السياسي والاقتصادي. فإضراب المعلمين، تسرب آلاف الطلاب من المدارس، وتدهور الأوضاع في الجامعات يعكس انهياراً شاملاً في البنية التحتية للدولة، ما يهدد مستقبل الأجيال القادمة ويبرز الفشل الحكومي في معالجة قضايا أساسية مثل التعليم.
إضراب المعلمين: مطالب مشروعة وسط تهميش حكومي
بدأ الإضراب في تعز منذ بداية الفصل الدراسي الثاني نتيجة معاناة المعلمين من تدني الأجور التي تراجعت إلى أقل من 50 دولاراً شهرياً بسبب انهيار العملة المحلية وارتفاع تكلفة المعيشة. ورغم أن الحكومة صرفت بعض الرواتب المتأخرة، إلا أن ذلك لم يلبِ مطالب المعلمين بتحسين أوضاعهم المعيشية وصرف بدل غلاء المعيشة، ما أدى إلى استمرار الإضراب.
وفيما أقدمت محافظات مثل مأرب وحضرموت على تقديم حوافز إضافية للمعلمين، بقيت تعز تعاني من غياب الموارد، مما عمّق شعور الكوادر التعليمية بالتهميش. هذا التفاوت في التعامل الحكومي أضعف ثقة المعلمين والهيئات التدريسية في جدية الدولة لحل الأزمة بشكل جذري.
جامعات تعز في قلب العاصفة
لم تقتصر الأزمة على التعليم المدرسي بل امتدت إلى الجامعات. في جامعة تعز، انخفضت رواتب أعضاء هيئة التدريس إلى أقل من 150 دولاراً شهرياً، ما دفعهم إلى الانضمام للإضراب العام وتنظيم وقفات احتجاجية. ومع استمرار تجميد مخصصات بدل الساعات التدريسية عند مستويات عام 2014، لم تعد الأجور كافية لتلبية الحد الأدنى من احتياجات المعيشة، خصوصاً مع تجاوز سعر صرف الدولار 2000 ريال يمني.
هذا الوضع كشف عن فجوة اقتصادية كبيرة دفعت أساتذة الجامعات إلى العيش تحت خط الفقر، بينما يتمتع بعض القيادات الجامعية بامتيازات خاصة، مما زاد من حدة الاحتقان والتذمر.
تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة
الأزمة التعليمية في تعز لم تقتصر على المعلمين وأساتذة الجامعات بل امتدت لتشمل الطلاب. الإحصائيات تشير إلى تسرب أكثر من 15,300 طالب من المدارس في النصف الأول من العام الدراسي الحالي، وفقاً لتقارير مؤسسة "ألف" لدعم وحماية التعليم. هذه الأرقام الصادمة تتزامن مع تحذيرات اليونيسف من أن أكثر من 4.5 مليون طفل يمني باتوا خارج المدارس، في ظل تضرر آلاف المنشآت التعليمية بفعل الصراع.
هذا التدهور يهدد النمو الإدراكي والعاطفي للأطفال، مما يُنذر بتأثيرات طويلة الأمد على مستقبل اليمن الذي يعتمد على هذه الأجيال.
التعليم كضحية للصراع السياسي والاقتصادي
الأزمة التعليمية في تعز تعكس تداعيات الصراع السياسي والاقتصادي الذي يضرب اليمن منذ انقلاب الحوثيين في 2014. السياسات الاقتصادية الحوثية، بما في ذلك السيطرة على موارد الدولة والبنوك، إلى جانب تدهور قيمة العملة وارتفاع تكاليف النقل، ساهمت في انهيار الاقتصاد وحرمان القطاعات الأساسية، مثل التعليم، من الدعم اللازم.
في المقابل، أظهرت الحكومة الشرعية عجزاً واضحاً عن إدارة الأزمة أو تحقيق العدالة في توزيع الموارد، مما فاقم شعور التهميش لدى محافظات مثل تعز. التدخلات الأممية، مثل دور المبعوث الأممي هانس غراندبرغ، أثارت انتقادات واسعة، حيث يعتبره العديد من اليمنيين مساهماً في إطالة أمد الأزمة عبر منح الميليشيات الحوثية مخرجاً في الأوقات الحرجة.
خارطة طريق للحل: خطوات عاجلة ومستدامة
مع تعقيد الأزمة، تبرز الحاجة إلى استجابة شاملة ومستدامة تعطي الأولوية لإصلاح قطاع التعليم. وتتضمن الحلول المقترحة:
1. إعادة تصدير النفط والغاز: استئناف عمليات تصدير النفط والغاز وتوجيه العائدات لدعم القطاعات الحيوية.
2. تعزيز سيطرة البنك المركزي: تفعيل قرارات البنك المركزي التي تهدف لاستعادة الاستقرار النقدي، مع ضمان عدم تدخل القوى الخارجية بما يعيق تنفيذ هذه الخطط.
3. توزيع عادل للموارد: تحقيق العدالة في توزيع الحوافز المالية بين المحافظات لضمان استمرارية العملية التعليمية.
4. إشراك المنظمات الدولية والمحلية: التعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لتوفير الدعم المادي والفني لقطاع التعليم.
ختاماً
الأزمة التعليمية في تعز ليست سوى انعكاس لمأساة أوسع يعيشها اليمن في ظل انهيار مؤسسات الدولة واستمرار الصراع. إن إعادة بناء قطاع التعليم يتطلب إرادة سياسية حقيقية وخطة وطنية تضع التعليم في صدارة الأولويات باعتباره حجر الزاوية لبناء مستقبل البلاد.
