التحول السياسي في سوريا ومواقف دول الجوار: تحديات ومصالح مشتركة

الأحد - 05 يناير 2025 - الساعة 01:18 م

الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب

تعد عملية التحول السياسي في سوريا أحد أبرز التحديات التي تواجه المنطقة، حيث تتقاطع مصالح دول الجوار مع تعقيدات هذا التحول. وعلى الرغم من التباين في المواقف بين هذه الدول، فإن هناك إجماعًا على ضرورة تجنب انزلاق سوريا إلى حالة الدولة الفاشلة، لما لذلك من تداعيات كارثية على أمن واستقرار المنطقة.

الأردن: بين الفرص والمخاوف
يرى الأردن في التحول السياسي السوري فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار، لكنه يواجه تحديات متعلقة بتهريب المخدرات وهوية الحكم الجديد في دمشق. وقد أشار محللون إلى أن العلاقات الأردنية السورية، التي شهدت تباينات عبر العقود، ستتأثر بشكل كبير بقضايا أمنية واقتصادية حساسة. ومن أبرز هذه القضايا ملف تهريب المخدرات، الذي يمثل تهديدًا أمنيًا كبيرًا لعمان، ما يجعل الأردن أكثر حرصًا على بناء علاقات متوازنة مع الإدارة السورية الجديدة.
تركيا: مكاسب استراتيجية رغم التحديات
بالنسبة لتركيا، فإن التحول السياسي في سوريا يمثل فرصة لتعزيز مكانتها الإقليمية، لا سيما في شرق المتوسط. ومع ذلك، فإن القضايا المتعلقة بالتنظيمات الكردية وأزمة اللاجئين لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا أمام تطبيع العلاقات بين البلدين. ويرى محللون أن التقارب مع أنقرة يمكن أن يساعد الإدارة السورية الجديدة على تقديم نفسها كلاعب إقليمي فاعل، بينما تسعى تركيا إلى توظيف هذا التحول لتعزيز نفوذها في المنطقة.
العراق ولبنان: توتر تحت وطأة النفوذ الإيراني
تُظهر العلاقات السورية مع كل من العراق ولبنان صورة مختلفة، حيث يظل التوتر هو السمة الغالبة، نظراً لتداخل النفوذ الإيراني في هذين البلدين. في لبنان، يُنظر إلى التحول السياسي في سوريا كفرصة لإعادة هيكلة السياسة اللبنانية بعيدًا عن الوصاية السورية التي كانت قائمة لعقود. إلا أن التكامل الاقتصادي بين البلدين يجعل من الصعب فصل مسار بيروت عن دمشق.
أما في العراق، فإن العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة تتأثر بعوامل تاريخية وسياسية. فالتوترات الطائفية والهاجس الأمني بين البلدين تعيق بناء علاقات مستقرة. ويخشى العراق من ترسيخ حكم قد يُعزز من نفوذ محور إقليمي معين، بينما تخشى دمشق تأثير العراق كجزء من المحور الإيراني.
تركيا وإيران: النفوذ الإقليمي في مواجهة المتغيرات
على عكس إيران، التي اعتمدت على الميليشيات والتغلغل الأيديولوجي للسيطرة على سوريا، تسعى تركيا إلى توسيع نفوذها عبر القنوات الدبلوماسية والمؤسساتية. ويرى بعض المحللين أن تركيا تمكنت من تحقيق مكاسب استراتيجية على حساب إيران، التي يبدو أن نفوذها في سوريا قد تراجع بشكل ملحوظ.
التحديات الإقليمية وفرص التحول
مع اختلاف مواقف دول الجوار تجاه التحول السياسي السوري، تتفق معظم الأطراف على أن استقرار سوريا يمثل ضرورة إقليمية. إلا أن الأطراف التي خسرت نفوذها في سوريا قد تحاول إجهاض هذا التحول عبر تغذية الفوضى. وهذا يتطلب من الإدارة السورية الجديدة تعزيز الاعتدال والانفتاح، لتجنب عزلتها إقليمياً ودولياً.
الخلاصة
يشكل التحول السياسي في سوريا اختبارًا معقدًا للعلاقات الإقليمية. فبين الفرص الاقتصادية والتحديات الأمنية، تظل مواقف دول الجوار محكومة بالمصالح المشتركة والمخاوف المتبادلة. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا التحول مرهونًا بقدرة الإدارة السورية الجديدة على بناء علاقات متوازنة، تستند إلى التعاون الإقليمي وتجنب سياسات الإقصاء والعداء.