العرافون والمنجمون: أدوات أجهزة المخابرات لتوجيه الرأي العام وتحقيق المصالح

الجمعة - 03 يناير 2025 - الساعة 11:24 م

الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب

تُعد ظاهرة الاعتماد على المنجمين والعرافين في الدول النامية وسيلة خفية ولكن فعالة تستخدمها أجهزة المخابرات الدولية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. هذا النمط ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج دراسة دقيقة لطبيعة المجتمعات، خصوصًا تلك التي تنخفض فيها مستويات التعليم والوعي، مما يجعلها بيئة خصبة لتأثير مثل هذه الوسائل. في هذا السياق، يمكن تحليل هذه الظاهرة من ثلاثة أبعاد رئيسية:

أولاً: تسريب المخططات عبر "التنبؤات"
ما يطرحه المنجمون من توقعات لا يمت بصلة إلى علم الغيب، بل يتضمن ثلاثة محاور أساسية:
1. تسريبات موجهة: حيث تُمرر أجهزة المخابرات خططها أو توجهاتها المستقبلية عبر هؤلاء العرافين، مما يُهيئ الرأي العام لتقبلها.

2. الترويج للأهداف الاستراتيجية: إذ تعكس بعض التوقعات طموحات الدول التي تدعم هؤلاء المنجمين.

3. التأثير على الخصوم: يتم توجيه بعض التنبؤات لتشويه صورة المنافسين أو تضليلهم.

ثانيًا: استغلال ثقافة المجتمعات النامية

تعتمد هذه الاستراتيجية على استغلال الميل التقليدي في بعض المجتمعات النامية إلى تصديق العرافين والمنجمين، وهو ما يعكس ضعف مستويات الوعي والتعليم. تعي أجهزة المخابرات أن هذا الأسلوب أكثر فعالية في إقناع الجمهور العام مقارنة بالأساليب المباشرة أو التقليدية.

ثالثًا: موازاة العرافين بمراكز الأبحاث

عند مقارنة تأثير المنجمين في الدول النامية بتأثير مراكز الأبحاث في الدول المتطورة، نجد تشابهًا في الهدف النهائي: تحقيق مصالح الدول الراعية.

المنجمون كأداة شعبية: على سبيل المثال، عندما تُطلق شخصية مثل ليلى عبد اللطيف "تنبؤات"، فإنها قد تكون مدعومة من دولة ما كفرنسا، بهدف تمهيد الرأي العام لتحقيق مصالحها في المنطقة.

مراكز الأبحاث كأداة نخبوية: بالمقابل، تُستخدم مؤسسات مثل مجموعة الأزمات الدولية كوسيلة لتوجيه النخب وصانعي القرار في الدول المتقدمة، حيث تركز أبحاثها وتوصياتها على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها أكثر من حل الأزمات التي تُناقشها.

الخلاصة: استراتيجية متكاملة لتشكيل الرأي العام

يتضح أن العرافين في الدول النامية ومراكز الأبحاث في الدول المتطورة يمثلون وجهين لعملة واحدة. كلاهما أداة تُستخدم للتأثير على الجمهور، سواء كان هذا الجمهور شعبيًا أو نخبة، بهدف خدمة أجندات سياسية واقتصادية لدول معينة.
وبالتالي، يمكن القول إن هذه الاستراتيجية المزدوجة تُظهر كيف تستغل القوى الكبرى اختلاف مستويات الوعي والثقافة بين المجتمعات لتحقيق هيمنتها وتعزيز مصالحها الاستراتيجية على حساب استقلالية المجتمعات المستهدفة.