مقالات صحفية
رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن
السبت - 11 يناير 2025 - الساعة 09:26 م
يمثل الصراع اليمني واحدًا من أعقد النزاعات في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتداخل فيه العديد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إلى تداخل العوامل السياسية والاقتصادية والإنسانية. وقد أدى استمرار الصراع إلى معاناة إنسانية هائلة وتدمير واسع للبنية التحتية. ومع استمرار الصراع لأكثر من عشر سنوات، أصبح الحل السياسي ضرورة ملحة لإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في المنطقة، خاصة في ظل العمليات العسكرية الجارية في البحر الأحمر.
وفي هذا السياق، تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورًا محوريًا في الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الصراع في اليمن . فقد كانت الولايات المتحدة على مر السنين لاعبًا رئيسيًا في محاولة حل النزاع عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية، وفقًا لرؤيتها الخاصة للمنطقة بشكل عام ولليمن بشكل خاص. ومع تغير الإدارات في واشنطن، تغيرت بعض ملامح السياسة الأمريكية تجاه اليمن، إلا أن الهدف الأساسي ظل تحقيق تسوية سياسية شاملة ومستدامة تنهي الصراع وتحقق الاستقرار.
تركز رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن على تحقيق حل سياسي شامل ومستدام ينهي الصراع الدائر منذ سنوات، ويضع أسسًا لمرحلة من الاستقرار والتنمية. تستند هذه الرؤية إلى عدة مرتكزات أساسية تهدف إلى دعم العملية السلمية والتخفيف من المعاناة الإنسانية. فيما يلي أبرز محاور الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن:
1) – وقف إطلاق النار بما فيها العمليات العسكرية في البحر الأحمر:
تعد مسألة وقف إطلاق النار، بما فيها العمليات العسكرية في البحر الأحمر، أحد المرتكزات الأساسية في رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن. يمثل هذا العنصر خطوة حاسمة نحو التخفيف من حدة الصراع، حيث إن استمرار العمليات العسكرية يزيد من تعقيد الوضع ويطيل أمد النزاع، مما يؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية. لذلك، يرى المسؤولون الأمريكيون أن التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين جميع الأطراف المتنازعة يُعد أولوية ضرورية لإنشاء بيئة مواتية للحوار السياسي. "كان لوصول الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض، وتولي "جو بايدن" رئاسة الحكومة الأمريكية، أثر في تعزيز هذا الطرح، خاصة وأن السياسة اعتمدت على إنهاء دور الولايات المتحدة الأمريكية في العمليات الهجومية في اليمن، وإيقاف صفقات الأسلحة المرتبطة بذلك" (الخضري، 2023، 7).
إن وقف إطلاق النار لا يقتصر فقط على إيقاف العمليات العسكرية البرية، بل يشمل أيضًا العمليات العسكرية في البحر الأحمر، التي تمثل ممرًا حيويًا للملاحة الدولية وتؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي والدولي. في هذا السياق، فإن وقف العمليات العسكرية في هذا الممر البحري سيكون له أثر إيجابي في تعزيز الثقة بين الأطراف المتنازعة، ويُسهم في تأمين حرية الملاحة البحرية، وهو ما يعكس أهمية هذه النقطة ضمن الرؤية الأمريكية.
كما أن إيقاف القتال يسهم في تقليص المعاناة الإنسانية التي يعاني منها المدنيون نتيجة استمرار الحرب، بما في ذلك مئات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلاً عن ملايين النازحين والمتأثرين من الأزمة الإنسانية. إن نجاح هذه الخطوة من شأنه أن يُهيئ الأرضية المناسبة للتوصل إلى تسوية شاملة ومستدامة، ويعزز الجهود الدبلوماسية التي تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى ضمان سلام دائم في اليمن.
2) الحل السياسي:
يمثل الحل السياسي احد العناصر الأساسية التي تركز عليها الولايات المتحدة لتحقيق استقرار طويل الأمد في اليمن. يرتكز هذا الحل على أهمية التوصل إلى اتفاق شامل بين جميع الأطراف المتنازعة، بما يضمن إشراك جميع المكونات السياسية والاجتماعية في العملية السياسية. يتمثل الهدف الرئيسي من الحل السياسي في إيجاد توافق بين الأطراف المختلفة، بما يشمل الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وجماعة الحوثيين، والعديد من القوى السياسية الأخرى، لتشكيل قاعدة مشتركة يمكن البناء عليها لتحقيق تسوية سلمية.
في هذا السياق، تبرز الرؤية الأمريكية أهمية أن يكون الحل السياسي مدعومًا بمفاوضات مباشرة وجادة بين الأطراف، يتم تسهيلها من خلال الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى. كما يضمن الحل السياسي للولايات المتحدة أن يتم التوصل إلى توافق بشأن القضايا الرئيسية مثل الحكم المحلي، توزيع السلطة، وتقاسم الثروات، وكذلك التأكيد على حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وفي هذا الإطار،" تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى حوار بين جماعة الحوثي المسلحة والمملكة العربية السعودية، وتتبنى تسوية سياسية تشترك فيها مختلف المكونات السياسية والعسكرية في اليمن" (الصفاري ، 2020 ،65).
إضافة إلى ذلك، فإن الحل السياسي الذي تدعمه الولايات المتحدة يضع في اعتباره الواقع السياسي والعسكري في اليمن. فالولايات المتحدة تدرك أن أي حل لا يمكن أن يكون فاعلاً إذا لم يأخذ في الاعتبار المعطيات الميدانية الحالية، مثل انتشار القوات العسكرية المختلفة، أو التأثيرات التي يمكن أن تترتب على هذه التوزيعات. ولذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان أن يتم الحل السياسي من خلال آليات دبلوماسية تتسم بالمرونة، بما يسمح للأطراف المتنازعة بالوصول إلى تسوية ترضي الجميع.
من جهة أخرى، يتضمن الحل السياسي في الرؤية الأمريكية التأكيد على ضرورة تحقيق الاستقرار السياسي المستدام في اليمن، وعدم العودة إلى الصراع مرة أخرى. وهذا يتحقق من خلال بناء مؤسسات سياسية قوية وشفافة، يمكنها أن تضمن تحقيق التوازن بين مختلف الفئات السياسية والاجتماعية في البلاد.
في المجمل، يُعد الحل السياسي أحد الركائز الأساسية في الرؤية الأمريكية لحل النزاع في اليمن. ويتطلب ذلك تعاونًا دوليًا وإقليميًا، ودورًا محوريًا للأمم المتحدة، بالإضافة إلى ضمان تلبية مطالب الأطراف المتنازعة وفقًا للمعطيات الواقعية في اليمن.
3) دعم جهود الأمم المتحدة:
يعد هذا المرتكز من أهم جوانب السياسة الأمريكية تجاه الصراع في اليمن، إذ ترى الولايات المتحدة أن الأمم المتحدة تمثل الهيئة الأكثر قدرة على توفير إطار دبلوماسي متعدد الأطراف للتفاوض وحل النزاع. يعكس دعم واشنطن لجهود الأمم المتحدة التزامها بحل النزاع اليمني عبر مسار سلمي ومستدام، بعيدًا عن الحلول العسكرية.
ترتكز الرؤية الأمريكية في هذا السياق على فكرة أن الأمم المتحدة هي الوسيلة الأفضل لضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية في عملية التسوية السياسية، بما في ذلك الحكومة الشرعية اليمنية، والحوثيين، والمكونات السياسية الأخرى، وكذلك المجتمع المدني. ويتم ذلك من خلال إطار عمل معترف به دوليًا، مثل "القرار الأممي 2216" و"المبادرة الخليجية"، بالإضافة إلى التقدمات المحرزة في الجانبين الإنساني والسياسي، التي شهدت بعض التقدم عبر جولات قام بها المبعوث الأممي والأمريكي بالتزامن مع جهود الوساطة السعودية والعمانية، والتي أفرزت ما يُسمى بـ "خارطة الطريق الأممية" التي توقفت نتيجة العمليات العسكرية في البحر الأحمر.
من خلال دعم الولايات المتحدة لجهود الأمم المتحدة، تتمكن المنظمة الدولية من لعب دور الوسيط المحايد في العملية السياسية وتوفير منصة لحل الخلافات بشكل سلمي. كما تدعم الولايات المتحدة عمل مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، الذي يُعتبر لاعبًا رئيسيًا في تقديم المبادرات والمقترحات للتسوية السياسية.
يشمل دعم واشنطن للأمم المتحدة أيضًا التأكيد على أهمية العمل الإنساني الذي تقوم به المنظمة في اليمن. فقد لعبت الأمم المتحدة دورًا مهمًا في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، في وقت كانت فيه الأوضاع الإنسانية في أسوأ حالاتها نتيجة النزاع المستمر. تدرك الولايات المتحدة أن التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة يتطلب تنسيقًا دقيقًا مع المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لتخفيف المعاناة الإنسانية ودعم إعادة الإعمار.
علاوة على ذلك، يشمل دعم الولايات المتحدة لجهود الأمم المتحدة تعزيز آلية الرقابة الدولية على تنفيذ الاتفاقات السياسية والإنسانية. في هذا السياق، تُعتبر الآليات الأممية مثل لجنة التنسيق العسكري وآليات مراقبة وقف إطلاق النار من الأدوات المهمة التي تضمن تنفيذ الاتفاقات بنجاح.
في المقابل ، تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان أن أي تسوية سياسية في اليمن تتم ضمن إطار دولي يضمن العدالة والشفافية ويشمل جميع الأطراف المعنية، مما يساعد في تحقيق استقرار طويل الأمد في اليمن والمنطقة ككل.
4) التركيز على الأوضاع الإنسانية:
يشكل التركيز على الأوضاع الإنسانية أحد أهم المرتكزات في الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن، وذلك في إطار حرص الولايات المتحدة على تحقيق استقرار شامل في البلاد. يعكس هذا المرتكز الاهتمام البالغ بمعاناة الشعب اليمني جراء الحرب المستمرة منذ عدة سنوات، حيث خلفت هذه الحرب أزمة إنسانية خطيرة، تمثلت في ارتفاع عدد القتلى والجرحى، وتدمير البنية التحتية، وزيادة أعداد النازحين داخليًا، فضلاً عن تفشي الأمراض والمجاعة.
وفي هذا السياق، ترى الولايات المتحدة أن معالجة الوضع الإنساني جزءًا لا يتجزأ من أي تسوية سياسية ناجحة في اليمن. فالسلام السياسي لا يمكن أن يتحقق دون معالجة القضايا الإنسانية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين اليمنيين. وفي الآن ذاته، تدعو واشنطن إلى تقديم المساعدات الإنسانية بشكل عاجل للمتضررين من النزاع، مع التركيز على توفير الغذاء، المياه، الرعاية الصحية، والتعليم في المناطق المتأثرة بالصراع. كما تؤكد الولايات المتحدة على أهمية السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى جميع المناطق في اليمن دون عوائق، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وذلك عبر ممرات آمنة تحت إشراف منظمات دولية.
وفي ذات السياق ، فإن تركيز الولايات المتحدة على الأوضاع الإنسانية يذهب إلى أبعد من مجرد تقديم المساعدات العاجلة؛ بل يشمل أيضًا دعم مشاريع التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان في المستقبل. ويشمل ذلك تمويل مشاريع إعادة الإعمار، وإعادة بناء البنية التحتية، وتعزيز قدرات الحكومة اليمنية في توفير الخدمات الأساسية للسكان. إذ ترى الولايات المتحدة أن هذه الجهود التنموية أساسية لاستعادة الثقة بين الأطراف المتنازعة ولتهيئة بيئة مواتية للسلام الدائم.
إضافة إلى ذلك، يولي التركيز على الأوضاع الإنسانية أهمية كبيرة للمجتمع الدولي ككل. تشجع الولايات المتحدة على التعاون بين الدول والمنظمات الإنسانية لمواجهة التحديات المتزايدة التي يواجهها الشعب اليمني، وتدعم المبادرات التي تهدف إلى تسريع عملية تقديم الإغاثة. كما أنها تواصل الضغط على جميع الأطراف المتنازعة لضمان احترام القوانين الإنسانية الدولية، ووقف استهداف المدنيين والمرافق الصحية والتعليمية.
وبناء على ما تقدم، فإن نجاح أي تسوية سياسية يتطلب أولا تخفيف معاناة المدنيين، وهذا يتطلب توفير الدعم الإنساني العاجل وتنفيذ مشاريع التنمية التي تساهم في بناء السلام واستعادة الأمل في المستقبل.
5) التأكيد على الوحدة اليمنية:
تمثل الوحدة اليمنية واحدة من أبرز المرتكزات الأساسية في الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن. تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان بقاء اليمن موحدًا في مواجهة التحديات السياسية والعسكرية التي تمر بها البلاد. فإيمان واشنطن بوحدة اليمن يعتبر جزءًا لا يتجزأ من سياستها تجاه المنطقة، حيث ترى أن أي حل دائم للصراع في اليمن يجب أن يحترم وحدة الأراضي اليمنية وعدم تجزئتها إلى كيانات منفصلة.
تدعم الولايات المتحدة موقف الحكومة اليمنية الشرعية في الحفاظ على الوحدة الوطنية، حيث أكدت مرارًا عبر سفرائها المتعاقبين دعمها لوحدة اليمن واستقلاله، حتى في الأوقات الصعبة التي مرت بها الحكومة اليمنية. وقد أظهرت الولايات المتحدة رفضًا قاطعًا لأي تطلعات انفصالية، حيث فشلت الشخصيات الانفصالية في الحصول على أي تصريح يتماشى مع أهدافها في تقسيم البلاد (الصفاري، 2020 ، 65).
من جهة أخرى، تستند الرؤية الأمريكية إلى المواقف الدولية الثابتة في دعم وحدة اليمن، بما في ذلك المواقف الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
"على الرغم من تباين المواقف الدولية في كثير من القضايا في الدول الأخرى، فقد ظل الموقف الدولي في مجلس الأمن ثابتًا في دعم وحدة اليمن والحكومة الشرعية، ورافضًا للانقلاب الذي قامت به مليشيا جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي" (الصفاري وآخرون، 2020، 101).
إن تأكيد الولايات المتحدة على وحدة اليمن لا يقتصر على المواقف الدبلوماسية فحسب، بل يشمل أيضًا التوجهات العسكرية والاقتصادية التي تتبناها لدعم الحكومة الشرعية في مواجهة التحديات التي تمثلها الحركات الانفصالية والجماعات المسلحة. الولايات المتحدة تشدد على أن أي تسوية سياسية في اليمن يجب أن تعكس هذا المبدأ، إذ إن الحفاظ على وحدة اليمن يُعد أساسيًا لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل في المنطقة.
بالمقابل، يعد التأكيد على وحدة اليمن جزءًا من رؤية استراتيجية أمريكية شاملة تهدف إلى استقرار اليمن والمنطقة ككل. حيث ترى الولايات المتحدة أن استقرار اليمن لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الحفاظ على وحدته السياسية والجغرافية في مواجهة محاولات التقسيم والانفصال.
6) مكافحة الإرهاب:
تشكل عملية مكافحة الإرهاب أحد المرتكزات البارزة في الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن، وذلك في سياق تعزيز الأمن الإقليمي والدولي. تدرك الولايات المتحدة أن استمرار النزاع في اليمن يتيح الفرصة لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة وأنصار الشريعة للتوسع والنمو في مناطق محددة من البلاد، مما يشكل تهديدًا ليس فقط على أمن اليمن بل أيضًا على الأمن الإقليمي والدولي. لذلك، تعتبر الولايات المتحدة أن أي تسوية سياسية في اليمن يجب أن تتضمن حلولًا جذرية لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك تعزيز القدرات الأمنية اليمنية والعمل على تفكيك الشبكات الإرهابية.
وفي هذا السياق، ترى الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب أولوية ملحة لضمان استقرار اليمن على المدى الطويل. يشمل ذلك دعم الحكومة اليمنية في تعزيز قواتها الأمنية والمخابراتية لمكافحة التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق مع الدول الإقليمية مثل السعودية، وكذلك مع المجتمع الدولي لمواجهة هذه التهديدات.
"في الوقت ذاته فإن الولايات المتحدة ترى اليمن في المستقبل كتهديد، مع توسع نشاط التنظيمات الإرهابية في اليمن والصومال والعلاقة المتطورة بينها" (هاشم وعبدالسلام، 2021، 36).
وفي ذات الجانب ، تضع الولايات المتحدة استراتيجيات شاملة لمكافحة الإرهاب ضمن أي تسوية سياسية في اليمن، بحيث تشمل هذه الاستراتيجيات التعاون الإقليمي والدولي في تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدريب القوات الأمنية اليمنية، وتعزيز القدرة على التصدي للتنظيمات الإرهابية بشكل فعال. كما تدعو الولايات المتحدة إلى تعزيز الرقابة على المناطق التي تشهد فراغًا أمنيًا، حيث يمكن أن تتسلل هذه الجماعات لتشغل هذا الفراغ وتستغل الأوضاع الميدانية لمصالحها.
7) الحفاظ على الملاحة البحرية:
يُعدّ الحفاظ على الملاحة البحرية أحد المرتكزات الأساسية للرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن، إذ تعتبر الولايات المتحدة استقرار أمن الممرات البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن عنصرًا حيويًا للأمن الإقليمي والدولي. يمثل البحر الأحمر ممرًا تجاريًا عالميًا حيويًا، ويشهد حركة بحرية كبيرة تمثل شريانًا اقتصاديًا هامًا للعديد من الدول. لذا، ترى الولايات المتحدة أن أي تسوية سياسية في اليمن يجب أن تضمن حماية هذه الممرات البحرية من تهديدات النزاع.
فالتدخلات العسكرية والتهديدات الأمنية في المنطقة، سواء من جماعات مسلحة أو قوى إقليمية، قد تعطل التجارة العالمية، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد العالمي. لذلك، تسعى الولايات المتحدة لضمان آليات حماية فعالة تُحافظ على حرية الملاحة البحرية في هذه المنطقة الاستراتيجية. وتبرز أهمية هذا المرتكز في ظل التهديدات المتزايدة للملاحة البحرية في البحر الأحمر، خاصةً الهجمات من جماعة أنصار الله "الحوثيين". لذا، ترى الولايات المتحدة ضرورة تشكيل تحالفات دولية لضمان أمن الممرات البحرية. أعلنت الولايات المتحدة عن إطلاق تحالف قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات لدعم حرية الملاحة في البحر الأحمر، يحمل اسم "حارس الازدهار"، بمشاركة أكثر من 12 دولة، يشمل دوريات مشتركة في مياه البحر الأحمر قرب اليمن (فتح الله، 2024).
تسعى هذه التحركات لتعزيز الأمن البحري وحماية الممرات البحرية من تهديدات الجماعات المسلحة. كما أفاد المبعوث الأمريكي، في تصريحٍ له، بأن الولايات المتحدة تتبع استراتيجية متكاملة لاستعادة السيطرة على البحر الأحمر، تشمل ضربات جوية، وجهدًا لاعتراض الأسلحة الإيرانية المُرسلة إلى اليمن، وزيادة الجهود الدبلوماسية للضغط على الحوثيين (القدس العربي، 2024).
يُشكّل الحفاظ على الملاحة البحرية جزءًا من استراتيجية أوسع لضمان استقرار المنطقة. ترى الولايات المتحدة أن أي تسوية سياسية يجب أن تراعي ضرورة حماية هذه الممرات الحيوية، بما يُعزز الأمن الدولي واستقرار الاقتصاد العالمي.
٨) التعاون مع الحلفاء في المنطقة:
تعترف الولايات المتحدة بأهمية العمل المشترك مع دول المنطقة لتحقيق الاستقرار في اليمن، حيث أن النزاع في هذا البلد له تداعيات مباشرة على الأمن الإقليمي. ومن خلال تحالفاتها مع دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز التنسيق العسكري والدبلوماسي، بهدف الوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام.
وفي هذا السياق، ترى واشنطن أن التعاون مع الحلفاء الإقليميين ضروري لتقوية الجهود الرامية إلى مواجهة التهديدات المشتركة، سواء كانت من جماعات إرهابية مثل "القاعدة" و"داعش"، أو من التهديدات التي تمثلها الجماعات المسلحة مثل الحوثيين. هذا التعاون يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية، التنسيق العسكري، ودعم المبادرات السياسية التي تسهم في دفع عملية التسوية إلى الأمام.
علاوة على ذلك، يهدف التعاون مع الحلفاء إلى تعزيز الموقف الإقليمي لدول الخليج، لا سيما في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. حيث ترى الولايات المتحدة أن تواجد إيران في اليمن يعزز من تأثيرها في المنطقة، وهو ما يتناقض مع مصالحها وحلفائها في المنطقة. لذلك، تتطلب الرؤية الأمريكية العمل مع دول الخليج لمواجهة هذا النفوذ وتعزيز أمن واستقرار المنطقة.
بالمقابل، يعكس هذا التعاون أيضًا التزام الولايات المتحدة بتوسيع دائرة المشاركة الدولية في إيجاد حلول للصراع في اليمن . إذ تشمل هذه الجهود التنسيق مع الدول الكبرى والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، بهدف تعزيز التوافقات الإقليمية والدولية التي تدعم تسوية سياسية شاملة في اليمن.
مما سبق يتضح ، أن التعاون مع الحلفاء في المنطقة أحد العناصر الجوهرية في الرؤية الأمريكية لتحقيق استقرار طويل الأمد في اليمن. وهذا التعاون لا يقتصر فقط على الشؤون العسكرية، بل يمتد إلى المجالات الدبلوماسية والإنسانية، ليشكل ركيزة أساسية في رسم معالم التسوية السياسية المستقبلية في اليمن.
9) الانطلاق من معطيات الواقع:
من مرتكزات الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن، ضرورة الانطلاق من معطيات الواقع. فهذا يعني الأخذ بعين الاعتبار الوضع الراهن على الأرض، بما فيه التوازنات القائمة بين الأطراف المتصارعة، وتأثير القوى الإقليمية والدولية، والأوضاع الإنسانية المتردية. فالتسوية السياسية الناجحة لا يمكن أن تُبنى على افتراضاتٍ أو حلولٍ نظريةٍ مُنفصلةٍ عن الواقع المعاش، بل يجب أن تنطلق من فهمٍ دقيقٍ للظروف الراهنة، والتعامل معها بمرونةٍ وواقعية.
وفي هذا السياق، تركز الولايات المتحدة على النقاط التالية:
1 - التعامل مع الحوثيين كطرف أساسي:
تدرك الولايات المتحدة أن الحوثيين قوة عسكرية وسياسية مؤثرة على الأرض، وبالتالي لا يمكن تجاهلهم في أي عملية سلام. لذا تسعى إلى إشراك الحوثيين في الحوار بشكل مباشر، مع وضع شروط واضحة لوقف الأعمال العدائية في البحر الأحمر والالتزام بالحل السلمي. هذا النهج يعكس الواقعية السياسية في التعامل مع الأوضاع على الأرض، حيث أصبح الحوثيون القوة العسكرية الأكثر تأثيرًا في مناطق الشمال. ورغم تحفظات بعض الأطراف الإقليمية والدولية على طريقة التعامل مع الحوثيين، إلا أن الولايات المتحدة ترى أن التسوية السياسية المستدامة في اليمن لن تكون ممكنة دون إشراكهم كجزء من الحل. هذه الرؤية تتماشى مع المساعي الدبلوماسية التي تتضمن تحسين الأوضاع الإنسانية وفتح حوار شامل يشمل جميع الفرقاء في اليمن.
2 - مواجهة التهديدات الأمنية:
تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أهمية معالجة تهديدات الجماعات المسلحة مثل الحوثيين وتنظيم القاعدة، وكذلك استمرار التحشيد العسكري من جميع الأطراف. وترى أن الوضع الأمني في اليمن ليس معزولًا عن التأثيرات الإقليمية والدولية، وتؤكد على أن تحقيق التسوية السياسية الشاملة يتطلب التعامل مع التهديدات الأمنية على الأرض، مثل نشاطات تنظيم القاعدة والعمليات العسكرية التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر. لذا، تركز الولايات المتحدة على دعم حكومة يمنية قوية تستطيع بسط نفوذها ومواجهة هذه التهديدات، بما يضمن استقرار البلاد ويمنع استغلال الصراع من قبل الجماعات الإرهابية.
في هذا السياق، قال المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إن العمليات العسكرية الأمريكية "لا تستهدف اليمنيين أو اليمن كدولة، بل تستهدف القدرات العسكرية للحوثيين"، الذين وصفهم بأنهم يتصرفون كمنظمة إرهابية عالمية (وطني بوست، 2024).
من خلال هذه المعطيات الواقعية، تسعى الولايات المتحدة إلى دفع جميع الأطراف نحو طاولة المفاوضات لتحقيق سلام مستدام، مع ضمان مراعاة المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية لجميع الأطراف المعنية.
10) التعامل مع الصراع بمنطق توازن القوى:
الصراع اليمني ليس نزاعًا داخليًا فحسب، بل هو صراع متعدد الأبعاد يتداخل فيه الشأن الإقليمي والدولي. إذ يشهد اليمن تدخلات إقليمية متعددة من قوى مختلفة مثل السعودية والإمارات، بالإضافة إلى دور إيران الداعم للحوثيين. كما أن هذا الصراع يتأثر أيضًا بالضغوط الدولية ومصالح الدول الكبرى. في هذا السياق، يأتي مفهوم "توازن القوى" ليكون أداة لفهم الديناميكيات العسكرية والسياسية في البلاد.
منطق توازن القوى في هذا السياق يعني أن حل الصراع اليمني يتطلب ضمان توازن بين القوى العسكرية والسياسية في البلد، بحيث تكون جميع الأطراف المتصارعة في وضع لا يميل فيه طرف لصالح الآخر بشكل حاسم. بمعنى آخر، تسعى الولايات المتحدة إلى منع حدوث هيمنة طرف واحد على الساحة اليمنية، مما قد يؤدي إلى تعزيز استقطاب المواقف أو تدهور الصراع.
وفي ذات السياق، تدعو الرؤية الأمريكية إلى استخدام توازن القوى كوسيلة للتفاوض بين الأطراف المتنازعة وتجنب التصعيد العسكري المستمر. ينطوي ذلك على ضرورة الضغط على الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة للتوصل إلى تسوية تضمن عدم تفوق طرف على آخر بشكل يؤثر سلبًا على استقرار المنطقة. ويجب أن تكون هذه التسوية سياسية وتستند إلى تحقيق توازن بين القوى المختلفة على الأرض، بما في ذلك الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي، والحوثيين، وكذلك القوى الإقليمية الداعمة لهم. "وعلى الرغم من إعلانها الحرب على المشروع الإيراني وتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، إلا أنها تسعى إلى ترسيخ حكم الحوثيين المحسوبين على المشروع الإيراني، حيث تمنع الولايات المتحدة الأمريكية أي تقدم عسكري تجاه العاصمة صنعاء" (الصفاري، 2020، 65).
وبناء على ماسبق، يمكن القول إن تسوية الصراع اليمني تتطلب اتباع منهج متوازن يأخذ في اعتباره تداخل الأبعاد الإقليمية والدولية، مع ضرورة تحقيق توازن بين القوى العسكرية والسياسية على الأرض. يجب على جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة، العمل على دعم جهود الأمم المتحدة وضمان مشاركة كافة المكونات السياسية في العملية التفاوضية. بالإضافة إلى ذلك، تظل الحاجة ملحة لتحقيق استقرار طويل الأمد عبر حلول سياسية شاملة تضمن العدالة وتخفف من معاناة الشعب اليمني.
11) ممارسة الضغوط على الأطراف المعنية:
تعد عملية ممارسة الضغوط على الأطراف المعنية أحد مرتكزات الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن. وهي استراتيجية تهدف إلى دفع الأطراف المتصارعة نحو التوصل إلى حل سياسي يوقف التصعيد العسكري ويعزز فرص السلام. تدرك واشنطن أن التوصل إلى تسوية شاملة يتطلب الضغط على الأطراف المختلفة من أجل تغيير مواقفها أو تسريع عملية التفاوض. وتتنوع هذه الضغوط لتشمل إجراءات دبلوماسية، اقتصادية، وعسكرية، بما يتناسب مع الوضع الراهن في اليمن. يُعد الضغط على الأطراف الفاعلة في الصراع أحد الأركان الأساسية في الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن. تشمل هذه الاستراتيجية ممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية على الفاعلين الرئيسيين، سواء من الداخل أو الخارج، بهدف إجبارهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى تسوية شاملة. تأتي هذه الجهود في إطار سعي الولايات المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة للصراع.
أشكال الضغط:
يأخذ الضغط الأمريكي أشكالًا متعددة، تشمل الضغوط الاقتصادية، الدبلوماسية، والعسكرية. تهدف هذه الضغوط إلى إقناع الأطراف المتنازعة بأن استمرار الصراع لن يحقق مكاسب طويلة الأمد، وأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء المعاناة الإنسانية وتحقيق الاستقرار.
١ / الضغط على الأطراف الداخلية للصراع:
(١) - الضغط على الحوثيين:
تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على الحوثيين لوقف الهجمات العسكرية في البحر الأحمر والعودة إلى المفاوضات السياسية. يتضمن هذا الضغط فرض عقوبات اقتصادية على قادة الحوثيين ومؤسساتهم، وتقليص الدعم العسكري واللوجستي الذي يتلقونه من إيران. كما تستخدم واشنطن نفوذها الدبلوماسي لحشد المجتمع الدولي لإدانة الحوثيين والضغط عليهم للانخراط في مفاوضات السلام. الهدف من هذه الجهود هو دفع الحوثيين نحو الحل السياسي والتخلي عن الخيار العسكري، مما يساهم في إنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في اليمن.
(٢) - الضغط على الحكومة اليمنية ودعمها:
١ - الضغط على الحكومة اليمنية:
تتضمن رؤية الولايات المتحدة الضغط على الحكومة اليمنية لدفعها نحو إظهار مرونة أكبر في المفاوضات، وبناء الثقة مع الحوثيين، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. تعتمد الولايات المتحدة أيضًا على علاقاتها الوثيقة مع حلفائها الإقليميين، مثل السعودية والإمارات، للضغط على الحكومة اليمنية من خلال تشجيعها على تقديم تنازلات تسهم في بناء السلام. يبقى النجاح في هذا المسار مرتبطًا بتعاون المجتمع الدولي وتغليب الأطراف اليمنية لمصلحة السلام على المصالح الضيقة.
٢ - دعم الحكومة اليمنية:
يهدف هذا الدعم إلى تعزيز استقرار الحكومة الشرعية وتمكينها من تحقيق السلام والأمن في البلاد، كجزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى إنهاء الصراع المستمر وتحقيق استقرار طويل الأمد. يشمل الدعم الأمريكي "تعزيز قدرات الحكومة" على إدارة شؤون البلاد بفعالية، مما يسهم في تقليل الفوضى ويعزز من مصداقية الحكومة لدى الشعب اليمني والمجتمع الدولي. ويتضمن هذا الدعم:
أ- الدعم العسكري:
تحسين قدرات الحكومة الدفاعية من خلال توفير التدريب والتجهيزات العسكرية، ولا يُستبعد أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بدعم عملية عسكرية يشنها مجلس القيادة الرئاسي لاستكمال تحرير الحديدة وتأمين الملاحة البحرية.
ب - الدعم الدبلوماسي:
تعزيز موقف الحكومة اليمنية في المفاوضات الدولية لدعم عملية السلام.
٢/ الضغط على الأطراف الإقليمية للصراع:
تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى الضغط على الأطراف الإقليمية المتورطة في الصراع، مثل إيران والسعودية والإمارات. تهدف واشنطن من خلال هذه السياسة إلى تقليل تأثير هذه الدول على النزاع.
على سبيل المثال، تعمل الولايات المتحدة على تقليص الدعم الإيراني لجماعة الحوثيين عبر تعزيز مراقبة الحدود البحرية وفرض عقوبات على الكيانات المرتبطة بتهريب الأسلحة.
خلال فترة إدارة دونالد ترامب، اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ موقف متشدد تجاه إيران، حيث اعتبرت التصدي لنفوذها وأنشطتها السلبية في المنطقة من أولوياتها الرئيسية. في هذا السياق، أعلن الرئيس ترامب في 13 أكتوبر 2017 عن استراتيجية جديدة تهدف إلى معالجة التهديدات الإيرانية (القاضي، 2017، 63/64).
تُركّزت هذه الاستراتيجية على زيادة الضغط على إيران من خلال فرض عقوبات اقتصادية مشددة وتعزيز الدعم العسكري للحلفاء في المنطقة، بما في ذلك دعم التحالفات مع دول مثل السعودية والإمارات. كما شملت الاستراتيجية أيضًا تعزيز القدرات الدفاعية لدول المنطقة، خاصة في مجال الأمن البحري، لمواجهة التهديدات الإيرانية المتزايدة، مثل تعطيل حرية الملاحة في مضيق هرمز.
كما سعت الولايات المتحدة في ظل هذه السياسة إلى تقليص النفوذ الإيراني في الصراعات الإقليمية مثل اليمن وسوريا، حيث دعمت القوى المناهضة للنفوذ الإيراني في هذه البلدان، وركزت على الحد من تمويل الأنشطة العسكرية الإيرانية في المنطقة. وقد أثرت هذه السياسة على ديناميكيات الصراع في اليمن، حيث زادت الضغوط على الحوثيين الذين يتلقون دعمًا من طهران، مما ساهم في تغيير مجريات الحرب وتشجيع الأطراف المعنية على الانخراط في عملية سياسية لإنهاء النزاع.
تعتبر اليمن تاريخيًا من أقل الأولويات في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في سياق علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. ومع ظهور الدعم الإيراني للحوثيين بعد سيطرتهم على معظم المناطق الشمالية، بدأت الولايات المتحدة تسعى لتحقيق توازن بين علاقاتها مع السعودية وصراعاتها مع إيران (تقدير موقف، 2021، 6/5).
إجمالًا، يشكل الضغط على الأطراف الفاعلة في الصراع أحد الركائز الأساسية للرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن. من خلال الضغط على الأطراف الداخلية والإقليمية، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق تسوية سلمية وشاملة، وإنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
12) ترتيب الأولويات الجديدة:
تتضمن الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن التركيز على الأولويات الجديدة التي ظهرت في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى المتغيرات التي طرأت على الصراع اليمني. تهدف هذه الأولويات إلى تحقيق سلام مستدام في اليمن من خلال معالجة القضايا الأساسية التي تؤثر في عملية التسوية السياسية.
يمكن تلخيص الأولويات في النقاط التالية:
1 / تحقيق الاستقرار الإقليمي:
تركز الولايات المتحدة على تحقيق الاستقرار الإقليمي، إذ تعتبر أن استقرار اليمن لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن الاستقرار الإقليمي في منطقة البحر الأحمر والخليج العربي. يشمل ذلك التأكد من عدم تمكين الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة أو داعش من استغلال الفوضى في اليمن لتهديد الأمن الإقليمي والدولي.
2 / تركيز الجهود الإنسانية:
تسعى واشنطن إلى تعزيز المساعدات الإنسانية ودعم جهود إعادة الإعمار في اليمن. تهدف هذه الجهود إلى تخفيف معاناة الشعب اليمني وتحقيق الاستقرار الداخلي، مما يسهم في خلق بيئة مواتية للسلام.
3 / تعزيز التعددية السياسية:
تضع الولايات المتحدة تعزيز التعددية السياسية كأحد الأهداف الرئيسية في عملية التسوية. وتؤكد على أهمية إشراك جميع الأطراف اليمنية، بما في ذلك القوى السياسية والمجتمعية المتنوعة، في أي اتفاق سياسي لضمان أن يكون الحل شاملًا ومستدامًا. هذا النهج يسعى إلى بناء دولة يمنية قائمة على الحوار والمشاركة السياسية الواسعة.
4 / الإدارة الأمريكية والتعامل مع الحوثيين:
تعد السياسة الأمريكية تجاه الحوثيين أحد المحاور الرئيسية في استراتيجية واشنطن لحل الصراع اليمني، حيث تشمل مواجهة التهديدات الحوثية للملاحة الدولية كجزء أساسي من هذه الاستراتيجية. شهدت هذه السياسة تحولات كبيرة منذ بداية الصراع وحتى الوقت الحالي، وتتمثل أبرز هذه التحولات في التغيير الواضح في المواقف الأمريكية بين الإدارات المختلفة.
(1) إدارة الرئيس ترامب الأولى:
خلال الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ظلت "السياسة الأمريكية المعلنة تجاه اليمن متوافقة بشكل عام مع إدارة باراك أوباما، أي في الفترة من عام 2014 حتى 2020، إذ كانت تقتصر مشاركة الولايات المتحدة على التصدي للإرهاب، ودعم جهود الأمم المتحدة لتعزيز الحلول السياسية للنزاعات اليمنية، وتقديم المساعدات الإغاثية للتخفيف من الأزمة الإنسانية" (الشرق الأوسط ، 2021).
(2) إدارة الرئيس بايدن:
"كان آخر قرارات إدارة ترامب فيما يخص حرب اليمن هو تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، ثم جاءت إدارة الرئيس بايدن لتعلن القطيعة مع إرادة ترامب وتعيد السياسة في اليمن لوضع يعتمد بشكل أكبر على دبلوماسية الولايات المتحدة وقوتها الناعمة، وتعيد لها مكانتها كفاعل متعال يفرض السلام" (علي، 2021، 2).
مع وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة، اتبعت الإدارة الأمريكية نهجًا دبلوماسيًا مختلفًا في التعامل مع الصراع اليمني، "ففي فبراير/شباط 2021، قامت الإدارة الأميركية بإلغاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، وذلك بعد أن تمت إضافتهم إلى القائمة في الأسابيع الأخيرة لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب" (الجزيرة نت، 2024).
وفي هذا السياق، أعادت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، "تصنيف جماعة 'أنصار الله' اليمنية المعروفة بـ'الحوثيين' على أنهم كيان 'إرهابي دولي مصنف تصنيفً خاصًا' (SDGT)، وسط استمرار الهجمات التي تشنها الميليشيا المتمركزة في اليمن. وقال مسؤولو إدارة بايدن إن التصنيف يهدف إلى ردع الحوثيين عن عدوانهم المستمر في البحر الأحمر" (الشرق الأوسط، 2024).
بناءً على ذلك، "يمكن القول إن إدارة الرئيس بايدن سعت إلى إحياء المسار السياسي لعملية السلام باليمن خلال الأيام المائة الأولى من ولايته، لكنها لم تعكس فهمًا عميقًا لديناميكيات الصراع، فحتى الآن، أدت سياسة بايدن إلى تكثيف الحرب فقط، دون أن تلوح في الأفق نهاية" (تقرير ، 2021، 4).
مع اشتداد الهجمات العسكرية التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر، وتشكل تحالف "حارس الازدهار"، قادت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى شن هجمات على مواقع الحوثيين استهدفت عدة محافظات يمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، وأحبطت هجمات أخرى في البحر ذاته. ومع اشتباك الحوثيين مع إسرائيل وضرب الجماعة العمق الإسرائيلي، سارعت إسرائيل بدورها إلى شن غارات جوية على مواقع للجماعة في صنعاء والحديدة.
بناءً على ما سبق، يمكن أن ينتهي الصراع الدائر في اليمن في نهاية إدارة بايدن، حيث "تعتقد إدارة بايدن أن إنهاء حرب اليمن، بغض النظر عن نتائجه المستقبلية، سيخفف من الانتقادات التي تواجهها داخليًا وخارجيًا بالتخلي عن المنطقة، وكما أنها بؤرة صراع ترى أن من السهل إنهاءها" (تقدير موقف، 2021، 9).
٣ - إدارة الرئيس ترامب الثانية:
تتوقع العديد من التحليلات أن ولاية الرئيس ترامب الثانية ستشهد تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. من غير الواضح بعد كيف ستسلك هذه السياسة، حيث يختلف الخبراء في تقديرهم للأولويات التي سيعتمدها ترامب في تعامله مع الأزمات الإقليمية.
"ويتفق الجميع في الشرق الأوسط على أن ولايته الثانية سوف تحول السياسة الأميركية في المنطقة. ولكن لا أحد يتفق على طبيعة هذه السياسة. ورغم أن انتخابه ربما يبشر بتحول دراماتيكي، فإن الاتجاه الذي سوف يسلكه يعتمد على من يستمع إليه" (تقرير ، 2024).
4 - خيارات إدارة ترامب في التعامل مع الحوثيين:
1 - العمليات العسكرية البرية:
في حال عودة دونالد ترامب إلى الحكم، يتوقع بعض المحللين تصعيدًا أكبر للأوضاع في اليمن. من المرجح أن يسعى الرئيس الأمريكي إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، مما قد يُغيّر مسار العمليات العسكرية، وقد يشمل ذلك إعادة إدراج الحوثيين في قائمة الجماعات الإرهابية الأكثر خطورة، وما قد ينتج عن ذلك من إجراءات قد تُضعِف الجماعة. يبدو أن الأوضاع في اليمن قد تتجه نحو مزيد من التصعيد، خاصةً مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة. يُتوقع أن يسعى ترامب إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، لكن يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت هذه التطورات ستؤدي إلى تدخلات برية مدعومة من المجتمع الدولي (أبعاد للدراسات الاستراتيجية، 2024).
2 - إسناد الجيش اليمني في عملية عسكرية واسعة النطاق لتحرير الحديدة:
من المحتمل أن تدفع الإدارة الأمريكية الجديدة القوات اليمنية لتنفيذ عمليات برية محدودة تهدف إلى استعادة السيطرة على ميناء الحديدة من قبضة الحوثيين. هذا الإجراء سيكون له تأثير مزدوج، حيث سيسهم في تأمين طريق التجارة الدولي بالإضافة إلى تقليص الموارد المالية للحوثيين.
"من المحتمل أن تتمكن الإدارة الأمريكية الجديدة من إقناع القوات اليمنية الرسمية بتنفيذ عمليات برية محدودة تُفقد جماعة الحوثيين السيطرة على ميناء الحديدة لتأمين طريق التجارة الدولي، ولإضعاف الجماعة مالياً عَبْر حرمانها من عائدات النقل" (المصدر السابق، 2024).
3 - إعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية:
تعتزم إدارة ترامب في حال عودتها إلى الحكم، إعادة تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، وهو إجراء يُعتقد أنه جزء من حزمة من العقوبات التي ستُفرض على إيران. تهدف هذه الخطوة إلى تشديد الضغط على إيران ومنعها من امتلاك أسلحة نووية، بالإضافة إلى تأكيد عزل الحوثيين على الساحة الدولية.
"وذكرت صحيفة 'وول ستريت جورنال' أن ترامب يخطط لإعادة تصنيف الحوثيين، جماعة إرهابية أجنبية، في إطار حزمة من العقوبات التي ينوي فرضها على إيران لمنعها من القدرة على امتلاك سلاح نووي" (الموقع بوست، 2024).
4 - توسيع قاعدة تحالف الازدهار وتكثيف الضربات الجوية:
سيسعى ترامب إلى تعزيز تحالفاته الإقليمية عبر توسيع قاعدة تحالف الازدهار، الذي يضم دولاً من المنطقة، مع تكثيف الضغوط العسكرية على الحوثيين. هذا النهج قد يشمل زيادة في الضربات الجوية ضد مواقع الحوثيين، بما في ذلك المنشآت العسكرية والاقتصادية، بهدف إضعافهم وتحجيم قوتهم.
إجمالا ، تعكس السياسة الأمريكية تجاه اليمن تحولات مهمة بين الإدارات المختلفة، حيث يختلف نهج كل منها في التعامل مع الأزمة. من التركيز على مكافحة الإرهاب والإغاثة الإنسانية في عهد أوباما وترامب، إلى محاولة إدارة بايدن إحياء المسار السياسي رغم تعقيدات الصراع، يتبين أن القضية اليمنية تشهد تغيرات مستمرة في الاستراتيجية الأمريكية.
في الختام ، يمكن القول إن الرؤية الأمريكية للتسوية السياسية في اليمن تتسم بالشمولية والتركيز على تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. ومن خلال الالتزام بمرتكزات رئيسية، مثل وقف إطلاق النار، والحل السياسي الشامل، ودعم جهود الأمم المتحدة، تعمل الولايات المتحدة على تقليص المعاناة الإنسانية وتحقيق تسوية دائمة تضمن أمن ووحدة اليمن. كما تولي أهمية كبيرة لمكافحة الإرهاب والحفاظ على الملاحة البحرية، وتعكس هذه الرؤية أيضًا مرونة في التعامل مع الواقع المعقد للصراع، عبر الضغط على الأطراف المعنية للوصول إلى تسوية تعكس توازن القوى في المنطقة. من خلال التعاون مع الحلفاء في المنطقة وتوجيه الأولويات بما يتناسب مع التحديات الحالية، تبقى الرؤية الأمريكية مفتوحة على أي تطورات قد تسهم في حل الصراع اليمني وتحقيق السلام الدائم.
قائمة المراجع:
1 - الكتب
(١)- صفاري، مطهر. "اليمن: خمس سنوات حرب.. الفاعلون الإقليميون." في "قراءات في الأزمة اليمنية"، تحرير عادل دشيلة، ياسين التميمي، ونبيل البكيري، المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، 2020.
2 - المواقع الإلكترونية:
(1) - الجزيرة نت. "إدارة بايدن تخطط لإعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية عالميّة." 2024. https://www.aljazeera.net/news/إدارة-بايدن-ستعيد-ت-...
(2) - القدس العربي. "المبعوث الأمريكي يبدأ جولته في المنطقة وغروندبرغ يبحث في الرياض الحاجة إلى «استمرار ضبط النفس داخل اليمن»." 2024. https://www.alquds.co.uk.
(3) - القاضي، محمد حسن. "الدور الإيراني في اليمن وانعكاساته على الأمن الإقليمي." المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 2017. www.rasanah-iiis.org/uploads.
(4) - الشرق الأوسط. "نهج واشنطن الجديد في التعامل مع الأزمة اليمنية." 2021. https://aawsat.com/home/article/2787681.
(5) - الشرق الأوسط، SWI swissinfo.ch. "أمريكا تعيد تصنيف جماعة الحوثي منظمة 'إرهابية' ردا على هجمات...". 17 كانون الثاني 2024. https://www.swissinfo.ch/ara/أمريكا-تعيد-تصنيف-...
(6) - الصفاري، مطهر. "جنـوب وشــرق اليمن .. جغرافيا تتنازعها القوى الإقليمية." فكر سنتر، 4 شباط 2020. https://fikercenter.com/2020/02/04/.
(7) - الموقع بوست. "ترامب يدرس خيارات وقف البرنامج النووي الإيراني وإعادة تصنيف الحوثيين." 14 كانون الأول 2024. https://www.almawqeapost.net/news.
(8) -الخضري، أنور بن قاسم. "إنهاء الحرب في اليمن بين أماني الداخل وإملاءات الخارج لمن القرار؟" أوراق تحليلية. مركز المخأ للدراسات الاستراتيجية، 2023. https://wp.me/pfoZmD-21l.
(9)- تقدير موقف. "الخيارات المتوقعة للتعاطي الدولي مع الحوثي في اليمن." أبعاد للدراسات الاستراتيجية،31 كانون الأول 2024. https://dimensionscenter.net//.
(10) -"تقدير موقف، ": تأثير استراتيجية بايدن على حرب اليمن."أبعاد للدراسات والبحوث شباط 2021. https://abaadstudies.org.
(11)- علي، نبيل. "الأزمة اليمنية: بين الاهتمام الأمريكي والمبادرات وتطور المواقف...". مركز الحضارة للدراسات والبحوث, 31 تموز 2021. https://hadaracenter.com/...
(12 ) -فتح الله، ياسين. "قوات 10 دول ضد الحوثيين.. هل يصمد تحالف حارس الازدهار؟.. وهذا...". صدى البلد، 2024. https://www.elbalad.news/....
(13) - مركز القرار للدراسات الإعلامية. "السياسة الأمريكية تعقد الأزمة اليمنية: انعكاسات قرارات الإدارة الأمريكية على اليمن." 5 أيار 2021. https://alqarar.sa/.
(14) - هاشم، عدنان، وعبدالسلام محمد. صراع على النفوذ وحرب بالوكالة على اليمن. مركز أبعاد للدراسات والبحوث، كانون الثاني 2021. https://abaadstudies.org/strategies/topic.
(15 ) - وطني بوست. "المبعوث الأمريكي: هجماتنا تستهدف القدرات العسكرية للحوثيين...". 7 شباط 2024. https://watanipost.com/single-details/regional-10949.
(16) - يمن مونيتور. "ما خيارات ترامب للتعامل مع الحوثيين؟!" 8 تشرين الثاني 2024. https://www.yemenmonitor.com/تقارير.