مقالات صحفية


تأثير منع دخول النفط إلى ميناء الحديدة على اقتصاد الحوثيين: قراءة تحليلية

الجمعة - 14 مارس 2025 - الساعة 06:52 م

د. عبدالقادر لطف الخلي
الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب



مقدمة:
يُعَدّ ميناء الحديدة الشريان الاقتصادي الأهم في اليمن، حيث تمر عبره نسبة كبيرة من الواردات، بما في ذلك المشتقات النفطية، التي تُشكّل أحد أبرز مصادر الدخل لجماعة الحوثيين. فمن خلال فرض الضرائب والرسوم الجمركية، إضافة إلى بيع الوقود في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، تمكّنت الجماعة من تأمين جزء كبير من تمويلها المالي، مما عزز من قدراتها العسكرية والإدارية خلال سنوات الحرب. لكن مع تزايد الضغوط الدولية، وقرار منع دخول النفط إلى الميناء، يواجه الحوثيون أزمة مالية غير مسبوقة، قد تُلقي بظلالها على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والاجتماعية.

الأثر المالي والاقتصادي

بحسب تقارير اقتصادية، حقق ميناء الحديدة في عام 2015 إيرادات تُقدَّر بحوالي 47 مليار ريال يمني، وهو رقم ضخم مكّن الحوثيين من تمويل عملياتهم بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، كانت العوائد غير الرسمية الناتجة عن بيع المشتقات النفطية في السوق السوداء تُدر عليهم ملايين الدولارات يوميًا، إذ يُقدّر الفارق السعري بين الوقود الرسمي والوقود المُهرّب بحوالي 3.5 مليون دولار يوميًا.

مع إيقاف شحنات النفط إلى الميناء، ستُحرم الجماعة من هذه الإيرادات الضخمة، مما سيُفاقم أزمتها المالية، خاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها، والتي تُضيّق الخناق على مصادر تمويلها الخارجية. هذا الأمر قد يُجبر الحوثيين على فرض مزيد من الضرائب على السكان والتجار، ما سيؤدي بدوره إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في المناطق التي يسيطرون عليها.

تأثيرات على السوق المحلية

يشكّل الوقود عصب الاقتصاد المحلي، سواء في قطاع النقل أو الكهرباء أو الصناعة. وبالتالي، فإن منع دخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة سيؤدي إلى شحّ حاد في الوقود، مما سيتسبب في ارتفاع أسعاره بشكل كبير. هذا الارتفاع سيُترجم إلى زيادة في تكاليف النقل والإنتاج، الأمر الذي سيؤثر سلبًا على مختلف القطاعات، من الزراعة والصناعة إلى الخدمات العامة.

كما أن هذا الوضع قد يُشعل موجة غضب شعبي، إذ إن ارتفاع الأسعار سيزيد من الأعباء على المواطنين، الذين يعانون أصلًا من أوضاع اقتصادية صعبة. وقد تؤدي هذه الأوضاع إلى احتجاجات داخل المناطق الخاضعة للحوثيين، مما سيزيد من الضغوط السياسية على الجماعة، خاصة في ظل التوترات الداخلية والخلافات المتصاعدة بين قياداتها.

التداعيات العسكرية والأمنية

منع وصول الوقود لن يقتصر تأثيره على الاقتصاد فحسب، بل سيمتد إلى الجانب العسكري، إذ تعتمد القوات الحوثية بشكل كبير على إمدادات النفط لتشغيل مركباتها وآلياتها العسكرية، سواء في الجبهات القتالية أو في العمليات اللوجستية. نقص الوقود سيؤثر على قدرتها على المناورة، ويحدّ من تحركاتها، مما قد يمنح القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي فرصة لتحقيق تقدم ميداني على الأرض.

كما أن الأزمة المالية الناجمة عن تراجع الإيرادات قد تؤثر على دفع رواتب المقاتلين والموالين للجماعة، مما قد يُضعف ولاءهم، ويدفع بعضهم إلى البحث عن مصادر دخل بديلة، سواء من خلال الانخراط في عمليات التهريب أو حتى الانشقاق عن الجماعة.

البعد السياسي والدولي

في خطوة تصعيدية ضد الحوثيين، أعلنت الولايات المتحدة فرض حظر على استيراد النفط عبر ميناء الحديدة، وذلك اعتبارًا من 2 أبريل 2025، ضمن استراتيجية تهدف إلى تجفيف مصادر تمويل الجماعة. يأتي هذا القرار بعد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وفرض عقوبات على قياداتها، مما يزيد من عزلتهم الدولية، ويحدّ من قدرتهم على التعامل المالي والتجاري مع جهات خارجية.

هذا الوضع سيجعل الحوثيين أمام خيارات صعبة، فإما التصعيد عسكريًا في محاولة لفك الحصار عن الميناء، أو اللجوء إلى طاولة المفاوضات لتقديم تنازلات سياسية قد تُخفف الضغوط المفروضة عليهم.

السيناريوهات المستقبلية

في ظل هذه المعطيات، يُمكن توقع ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

1. تصعيد عسكري: قد يلجأ الحوثيون إلى شنّ هجمات على موانئ أو سفن تابعة للتحالف، أو استهداف منشآت نفطية سعودية في محاولة للرد على الحصار النفطي.

2. البحث عن طرق تهريب بديلة: من المحتمل أن يلجأ الحوثيون إلى زيادة عمليات تهريب النفط عبر المنافذ البرية مع عُمان أو عبر سواحل البحر الأحمر، رغم صعوبة ذلك في ظل تشديد الرقابة البحرية.

3. الخضوع لضغوط التفاوض: مع اشتداد الأزمة المالية والاقتصادية، قد يجد الحوثيون أنفسهم مجبرين على تقديم تنازلات في إطار المفاوضات السياسية، سواء فيما يتعلق بالملف الإنساني أو العسكري، من أجل تخفيف الضغوط الدولية.

الخاتمة

يُعدّ منع دخول النفط إلى ميناء الحديدة ضربة قاسية للاقتصاد الحوثي، إذ سيؤدي إلى خسائر مالية كبيرة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وانعكاسات مباشرة على الوضع العسكري والأمني. كما أنه سيضع الجماعة أمام تحديات سياسية صعبة، ما بين التصعيد أو التفاوض. في كل الأحوال، فإن استمرار هذا الحصار سيُغيّر معادلة الصراع في اليمن، وقد يُعيد رسم التوازنات السياسية والعسكرية في المرحلة المقبلة.




شاهد ايضا


بوتين يرد على ترامب.. وزيلينسكي يقرّ بـ"وضع صعب جدا" ...

الجمعة/14/مارس/2025 - 09:22 م

دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، القوات الأوكرانية التي تقاتل في منطقة كورسك إلى الاستسلام، وذلك بعد أن دعاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى


كوريا الجنوبية وأمريكا تجريان تدريبات مشتركة على الضربات الخاصة ضمن من ...

الجمعة/14/مارس/2025 - 05:12 م

اعلنت القوات البرية الكورية، اليوم الجمعة، إن جنوداً كوريين وأمريكيين أجروا تدريبات مشتركة على الضربات الخاصة هذا الأسبوع، كجزء من التدريبات العسكرية


مواطن يتهم مليشيات الحوثي بسرقة وبيع سيارته من إدارة مرور حجة ...

الجمعة/14/مارس/2025 - 05:02 م

حجة، اليمن - في قضية جديدة تسلط الضوء على الانتهاكات التي تُرتكب في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي، اتهم المواطن منير حسن قايد المهدلي عبر التو